قال المصنف رحمه الله: [القاعدة الثالثة: إذا قال القائل: ظاهر النصوص مراد، أو ظاهرها ليس بمراد؟].
هذه هي القاعدة الثالثة، وقد يقال: إنها تعتبر جملة من جمل القاعدة الثانية؛ لأن المصنف لا يزال يتكلم في الألفاظ المجملة الحادثة المشتركة، سواء كان اللفظ لفظاً فرداً؛ كلفظ الجهة، أو كان اللفظ لفظاً مركباً؛ كقول: ظاهر النصوص مراد أم ليس مراداً.
فما يقال فيه: إنه يستفصل فيه، قد يكون كلمةً، وقد يكون جملةً مركبة، لكن المصنف عني بإفراد هذه الجملة في هذه القاعدة؛ لأن هذه الجملة من الجمل التي شاع النظر فيها كثيراً، فإن سائر من تأول الصفات أو بعضها، يسمي ما تأوله ظاهراً، ويجعل ما يقابل هذا الظاهر هو المؤول.
فيذكر المصنف أنه إذا قيل: ظاهر النصوص مراد أو ليس بمراد؟ فإن هذه الجملة من الجمل المجملة التي لا بد فيها من استفصال، وهذا الإجمال إنما هو باستعمال المستعملين من النظار لهذه الجملة، وليس هو إجمالاً بأصل اللغة، فلولا أن هؤلاء الذين خالفوا الأئمة تكلموا بلفظ الظاهر على قدر من التأويل له، أو التعطيل للمعاني الصحيحة، أو ما إلى ذلك؛ لكان الأصل أن من تكلم في التقرير فقال: إن ظاهر النصوص مراد؛ فإن كلمته هذه كلمة سائغة جائزة، لكن لما جاء الاشتراك من جهة استعمال المستعملين لها؛ لزم أن يقال بالتفصيل؛ لأن المتكلم بذلك قد يكون فهم من الظاهر التشبيه، فإذا قيل له: إن ظاهر النصوص مراد، فكأنه قيل له -في زعمه-: إن التشبيه مراد.
ولذلك فلابد أن يقال: ماذا يقصد بالظاهر؟
فإن قصد بالظاهر المعاني الصحيحة، فإن ظاهر النصوص مراد، وإن قصد بظاهر النصوص التشبيه الذي يليق بالمخلوقات وما إلى ذلك، فإن هذا المعنى ليس مراداً، لكن لا يجوز لأحد أن يقول: إنه هو ظاهر النصوص, وهذا من طرق الرد على المخالفين الذين سموه بظاهر النصوص, أي: فهموا فهماً من التشبيه وسموه: ظاهر النصوص، ونقول: إنه يلزم على ذلك أن يقال: إن ظاهر القرآن كفر؛ لأن التشبيه نقص, والله منزه عن النقص، ومن نقص الله فقد كفر.
فمن قال: إن ظاهر النصوص هو التشبيه، فهي بحاجة إلى التأويل، فيقال له: ليس ظاهر النصوص هو التشبيه؛ لأنه يلزم على هذا أن ظاهر القرآن كفر.
ومن المعلوم أن غالب الناس لا يعلمون التأويل؛ ولا سيما أن هؤلاء يجعلون التأويل على طرق كلامية، فيلزم من ذلك أن جمهور من يقرأ القرآن ويعتقد بظاهره، أن هذا الظاهر عندهم كفر؛ لأنه نقص وتشبيه.
قال المصنف رحمه الله: [فإنه يقال: لفظ الظاهر فيه إجمال واشتراك, فإن كان القائل يعتقد أن ظاهرها التمثيل بصفات المخلوقين، أو ما هو من خصائصهم، فلا ريب أن هذا غير مراد، ولكن السلف والأئمة لم يكونوا يسمون هذا ظاهراً, ولا يرتضون أن يكون ظاهر القرآن والحديث كفراً وباطلاً، والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم من أن يكون كلامه الذي وصف به نفسه لا يظهر منه إلا ما هو كفر وضلال].
فلا يجوز لأحد أن يقول: هذا هو ظاهر القرآن، حتى وإن قال: إنه سيتأول هذا إلى معنى صحيح بزعمه، فإن مجرد تسميته لظاهر القرآن بهذه الحقائق الكفرية، من تشبيه الله بخلقه؛ فإن هذا طعن في كلام الله سبحانه وتعالى.