قال المصنف رحمه الله: [وكذلك تناقضهم في الإثبات، فإن من تأول النصوص على معنىً من المعاني التي يثبتها، فإنهم إذا صرفوا النص عن المعنى الذي هو مقتضاه إلى معنىً آخر؛ لزمهم في المعنى المصروف إليه ما كان يلزمهم في المعنى المصروف عنه، فإذا قال قائل: تأويل محبته ورضاه وغضبه وسخطه هو إرادته للثواب والعقاب؛ كان ما يلزمه في الإرادة نظير ما يلزمه في الحب والمقت والرضا والسخط، ولو فسر ذلك بمفعولاته -وهو ما يخلقه من الثواب والعقاب- فإنه يلزمه بذلك نظير ما فر منه، فإن الفعل المعقول لا بد أن يقوم أولاً بالفاعل، والثواب والعقاب المفعول إنما يكون على فعل ما يحبه ويرضاه، ويسخطه ويبغضه المثيب المعاقب، فهم إن أثبتوا الفعل على مثل الوجه المعقول في الشاهد للعبد مثلوا، وإن أثبتوه على خلاف ذلك، فكذلك سائر الصفات].
مراد المصنف أنه إذا فسر النفاة ما ينفونه من الصفات بالمفعول، قيل لهم: والمفعول يستلزم فعلاً، ولذلك فإن هؤلاء الذين يفسرون هذا المقام بهذا التفسير، درج جمهورهم على عدم التفريق بين الفعل وبين المفعول، وهذه المسألة تكلم عنها الإمام البخاري رحمه الله؛ لأنها من المقدمات التي كان متقدمو المتكلمين يستعملونها في تنظير هذه المسائل في الصفات أو في مسائل القدر؛ ولذلك عني البخاري في كتابه (خلق أفعال العباد) بتنظير هذه المسألة تنظيراً عقلياً، وهي مسألة: الفرق بين الفعل والمفعول، والفرق بين الخلق والمخلوق.
وقوله: (فهم إن أثبتوا الفعل على مثل الوجه المعقول في الشاهد للعبد مثلوا، وإن أثبتوه على خلاف ذلك، فكذلك سائر الصفات):
أي: إن أثبتوه على ما هو معروف في الشاهد، فهذا من باب التشبيه، وإن تجردوا عن ذلك، فهذا الذي يلزم في سائر الصفات.