ومعنى التفويض: ترك المعنى دون تعليق، وهذا ممتنع، فإن العقل لا بد أن يقدر معنىً إذا سمع الكلام، فإن هناك تلقائية عقلية بين سماع الكلام وبين تقدير المعنى لذلك الكلام، فمثلاً: إذا قال رجل لقوم جالسين: قوموا.
فلا يمكن لأحد منهم أن يقول: أنا قررت إرادياً وعقلياً أن لا أفهم هذا الكلام؛ لأن هناك تلقائية في الفهم.
إذاً: مسألة التفويض مسألة ممتنعة، إلا أن يكون القارئ أو المستمع لا يفهم اللسان العربي، فهنا لا بأس أن يقول: أنا أعلم أن هذا قرآن، لكني لا أدري ما معناه؛ لأنه لا يفقه اللسان، أما أن يكون ممن يعرف اللسان العربي، فإنه لا بد أن يفهم المعنى بشكل تلقائي.
ولذلك فإن المتكلمين الأوائل -كأئمة المعتزلة- لم يتخلصوا من هذا الإشكال بمسألة التفويض، مع أنها أسهل من التأويل؛ لأنهم يدركون أن مسألة التفويض مسألة ممتنعة في العقل، فلا يمكن أن تقرأ كلاماً فصيحاً بيناً وأنت على لسانه ثم تقول: إنه لم تتحرك إرادتك، أو أنه منعت إرادتك العقلية في المعاني أن تحدد أو تدرك معنىً ..
هذا كله من الفرضيات الذهنية.