قال المصنف رحمه الله: [وكذلك إذا قال: كيف ينزل ربنا إلى السماء الدنيا؟ قيل له: كيف هو؟ فإذا قال: أنا لا أعلم كيفيته، قيل له: ونحن لا نعلم كيفية نزوله؛ إذ العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف، وهو فرع له وتابع له، فكيف تطالبني بالعلم بكيفية سمعه وبصره وتكليمه ونزوله واستوائه، وأنت لا تعلم كيفية ذاته؟!].
مقصود المصنف: أن من كانت حجته على نفي نزول الرب أن يورد هذا السؤال: كيف ينزل الله إلى السماء الدنيا؟ فإذا لم يُجب بمفصل من العلم وبتقرير يبين كيفية النزول قال بنفيه، يقول: فهذا انطلق من فرضية عقلية خاطئة، وهي أن ثمة تلازماً بين العلم بالمعنى والعلم بالكيفية، وهذا غلط عقلي؛ فإن العلم بالمعنى لا يستلزم العلم بالكيفية عقلاً؛ لأنه لو كان العلم بالشيء يستلزم العلم بكيفيته؛ للزم أن يقال له: إن الله موجود، فسيقول: نعم.
فكيف وجود الله؟ والله له ذات فكيف هذه الذات؟ إذاً: ليس ثمة تلازم بين العلم بالمعنى وبين العلم بالكيفية؛ بل إن ثمة انفكاكاً بين العلم بالمعنى وبين العلم بالكيفية، فإنه لا يلزم من علمنا بمعنى نزوله واستوائه أن نعلم الكيفية، كما أنه لا يلزم من علمنا بذاته أن نعلم كيفية ذاته سبحانه وتعالى.
والعلم بالكيفيات -أي: بكيفيات الصفات- إذا تسلسلت انتهت إلى نتيجة وهي: العلم بكيفية الذات، وهذا ممتنع، فكما أن العلم بكيفية الذات ممتنع؛ فإن العلم بكيفية الصفات ممتنع؛ لأن القول في الصفات فرع عن القول في الذات.