أقوال بعض الباطنية في الوجود والعدم

قال المصنف رحمه الله: [وهؤلاء الباطنية منهم من يصرح برفع النقيضين: الوجود والعدم، ورفعهما كجمعهما.

ومنهم من يقول: لا أثبت واحداً منهما.

وامتناعه عن إثبات أحدهما في نفس الأمر لا يمنع تحقق واحد منهما في نفس الأمر، وإنما هو كجهل الجاهل، وسكوت الساكت، الذي لا يعبر عن الحقائق].

وهذا من باب التحكم، ولذلك فإن من الطرق التي يسلكها بعض الغلاة من الباطنية في هذا الباب: -وهي من الطرق التي يعتبرها بعض الغلاة من المخالص لهم- أنهم يمنعون إجراء الأحكام العقلية على هذه المسائل، ويجعلون الأمر من باب التفسير الباطني المحض، الذي لا يعتمد لا على تفسير القرآن باللغة، ولا على تفسير وحكم العقل، فينفكون عن الحقائق العقلية، ويزعمون أن الحقائق العقلية ليست مناسبة لمسائل الربوبية، وما إلى ذلك، وهذا لا شك أنه تحكم على العقل؛ لأنه يستلزم إبطال الحقائق، فإن الحقائق إذا لم تعلم بالشرع ولم تعلم بالعقل فإنه يمتنع العلم بها.

وأما قول من يقول: إن الحكم العقلي حكم قياسي على الموجودات، وعلى المشبهات، وعلى المخلوقات، والله تعالى منزه عن هذا القياس، فيقال له: هذا غلط، فإن الحكم العقلي ليس بالضرورة أن يكون حكماً قياسياً، وإن كان من أحكام العقل: القياس على الشاهد ونحو ذلك، فهذا باب آخر، لكن هناك أحكام عقلية ضرورية ليست مبنية على الحكم في الشاهد، وهي الأحكام العقلية الأولى؛ كالقول بأن النقيضين يمتنع اجتماعهما ويمتنع ارتفاعهما، وأن الحي إذا نفيت عنه أحد الصفتين لزم قبول الأخرى

وهكذا، فهذه أحكام عقلية أولى ليست مبنية على القياس الحسي المعين، وإن كان القياس الحسي إذا كان مطرداً فإن حكمه يكون قطعياً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015