والفرق بينهما: أن فرض الذهن هو الخاطر الأول من الوهم العقلي الذي يرد على الذهن، فإذا دخله نظام التصور امتنع تصوره، بمعنى: أنه إذا عرض على الذهن قبل جمع النقيضين، هذا الخاطر الأول الذي يرد على الذهن يسمى فرضاً، إذا أدخله العقل نظام التصور هل يمكن أن يتصور صورةً يجتمع فيها النقيضان؟ الجواب: لا، ولذلك يقول ابن تيمية وغيره من النظار: إن الذهن يفرض المحال.
أي: يفرض الممتنع.
فيقول المصنف: إن جمع النقيضين أو رفع النقيضين يفرضه الذهن، والذهن لا عبرة بفرضه؛ لأنه يفرض المحال، وإن كان يمنع التصور له فضلاً عن امتناع وجوده.
أما إذا قيل عن الشيء بأنه ليس قابلاً للوجود والعدم، فإنه يمتنع فرضه ويمتنع تصوره، فضلاً عن امتناع وجوده، ومعلوم أن ما يمتنع في العقل مجرد الفرض له -حتى ولو كان فرضاً محالاً- فإنه أعظم امتناعاً مما يمكن أن يفرضه العقل وإن كان يمتنع وجوده.
إذاً: فهؤلاء إذا تسلسل عليهم الأمر ففروا من التشبيه -كما يزعمون، وإلا فالباب ليس من باب التشبيه أصلاً- لو فروا من التشبيه بالموجود الحي لشبهو بالجماد، فإن فروا من ذلك شبهو بالمعدوم، فإن فروا من المعدوم إلى الممتنع شبهوه بأول درجات الممتنع وهو رفع النقيضين، فإن فروا من التشبيه برفع النقيضين شبهوه بما هو أعظم امتناعاً وهو ما لا يقبل النقيضين، فتكون الدرجة الثالثة: رفع النقيضين، وتكون الدرجة الرابعة: عدم القبول للنقيضين، وهذا هو أشد الدرجات امتناعاً.
وقوله: (فما نفيت عنه قبول الوجود والعدم كان أعظم امتناعاً مما نفيت عنه الوجود والعدم):
الفرق بينهما: أن الأول: نفيت عنه الفرض الذهني فضلاً عن التصور، والثاني: نفيت عنه التصور فضلاً عن الوجود.
ثم قال: (وإذا كان هذا -أي: الثاني وهو رفع النقيضين- ممتنعاً في صرائح العقول، فإن ذلك -الذي هو عدم القبول للنقيضين- أعظم امتناعاً).
وقوله: (فجعلت الوجود الواجب الذي لا يقبل العدم هو أعظم الممتنعات، وهذا غاية التناقض والفساد):
أعظم الممتنعات: هو ما لا يقبل الوجود والعدم، ولك أن تقول: هو ما لا يقبل النقيضين.