قال المصنف رحمه الله: [فصل: فأما الأصلان فأحدهما أن يقال: القول في بعض الصفات كالقول في بعض].
هذا هو الأصل الأول العقلي المبني على الضرورة العقلية، وهو من جنس قولك: إن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان، فكذلك من ضرورات العقل المطردة المعلومة بضرورة العقل: أن القول في بعض الصفات كالقول في بعض، فإذا لم يلزم في بعضها التشبيه؛ لزم أن يكون هذا الحكم مطرداً في سائرها.
وقد قال بعض شراح هذه الرسالة: إن المصنف قصد بهذا الأصل الرد على متكلمة الصفاتية الذين يثبتون بعض الصفات وينفون البعض الآخر، والأصل الثاني -وهو أن القول في الصفات كالقول في الذات- قالوا: هذا رد على نفاة الصفات.
وهذا القول من حيث أنه رد هذا صحيح، لكن أن يقال: إن المصنف قصد بالأصل الأول الرد على متكلمة الصفاتية، الذين يثبتون بعض الصفات وينفون البعض فقط، وقصد بالثاني الرد على النفاة كالجهمية فقط؛ فإن هذا ليس بصحيح، والرسالة نفسها تمنع هذا؛ لأنه في الأصل الأول -وهو القول في بعض الصفات كالقول في بعض- ذكر أن هذا الأصل يُقصد به متكلمة الصفاتية من النفاة الذين يثبتون بعض الصفات وينفون بعضها، وذكر بعد ذلك في نفس الأصل أنه يقصد به من ينفي الصفات ويثبت الأسماء، ثم ذكر بعد ذلك أنه يقصد به من ينفي الأسماء والصفات، وهذا هو ما صرح به المصنف.
وأيضاً إذا اعتبرت سياق كلامه -وهو صريح أيضاً- تبين لك أن الأصل الأول يُرد به على سائر الطوائف، فيرد به على من يثبتون بعض الصفات وينفون البعض الآخر، والرد على هؤلاء من هذا الأصل رد، مباشر، فيقال لهم: كما تثبتون بعض الصفات ولم يلزم من ذلك التشبيه، فأثبتوا البعض الآخر.
أيضاً: هذا الأصل رد على من يثبت الأسماء وينفي الصفات، كما ذكره المصنف عن عامة المعتزلة، وهو أيضاً رد على من ينفي سائر الأسماء، أو ينفي الأسماء والصفات كما سيأتي.
إذاً: فلا يقال: إن الأصل الأول ردٌ على هؤلاء المتكلمين من الصفاتية وحدهم، كأتباع أبي الحسن الأشعري، إنما هو رد على جمهور الطوائف كما سيأتي.