«هَجَرَ الرُّقَادَ» يعني: ترك النَّومَ، والمراد به النوم الفضولي، وأما النوم من حيث هو فلا بُدَّ للإنسان منه، يَسْتَجِمُّ به، ويستعِيدُ به نشاطَه وقوَّتَه.

وقوله: «وبَاتَ سَاهِرَ لَيلِه» فهو يَسْهَرُ لكن لا كَسَهَرِ أكثر النَّاس اليوم، تجدهم يسهرون في الفضول أو على باطلٍ وحرام، وأما هذا فسهره في طلب العلم بالمذاكرة والمجالسة لأهله وبالقراءة واستخراج العلم من مستَودَعَاتِه وخَزَائِنِه التي هي تُرَاثُ العُلَمَاءِ ومؤلفاتهم.

وقوله: «ذِي هِمَّةٍ» يعني: صاحب هِمَّةٍ عَالِيَةٍ، له طموحٌ وأهدافٌ لا يَقْنَع باليسير ولا بالقليل، بل يسعى في تحصيل معالي الأمور فهو «لا يَسْتَلِذُّ بِمَرْقَدِ» أي: لا يستلذ بالنوم لهذه الهمة العالية والمطلب الكبير الذي يسعى له، فلا يأخذ من النوم إلا بأقل القليل.

وهذا وصفٌ جميلٌ مَلِيحٌ.

قال الناظمُ رحمه الله:

10. قَومٌ طَعَامُهُمُ دِرَاسَةُ عِلْمِهِمْ ... يَتَسَابَقُونَ إِلى العُلاَ وَالسُّؤدَد

في هذا البيت انتقل الناظمُ رحمه الله من وصف هذا النموذج من ذوي الهمم العالية وعاد يعبّر عن المجموعة وعن الجنس فقال عنهم:

«قَومٌ طَعَامُهُمُ دِرَاسَةُ عِلْمِهِمْ» أي: هذا الصنف الذي سبق وصفه في الأبيات السابقة طعامُهُم وغذاؤُهُم هو دراسةُ العلمِ ومذاكرتُه، فهم يتلذَّذُونَ بطلبِ العلمِ والسعي في تحصيلِه، ويتحمَّلون المشاقَّ في سبيلِ ذلك أكثر مما يتلَذَّذُ أصحابُ المطاعمِ والملذَّاتِ بالطعامِ والشرابِ وسائرِ اللذات، فهؤلاء طعامهم غذاءٌ للعقول والأرواح، وأولئك طعامهم غذاءٌ للبطون والأبدان، والفرقُ بين الفريقين كالفرقِ بين الثَّرَى والثُّرَيَّا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015