ارتحلوا. فارتحلوا وبقى في الدار بنو كنانة، وصبحهم امرؤ القيس فأصابهم وقتل
فيهم فأكثر، وهو يظن انهم بنو أسد، فلما عرف كف عنهم وقد أسرع فيهم، فقال امرؤ القيس في ذلك:
(ألا يا لهفَ نفسي إثرَ قوم ... همُ كانوا الشفاءَ فلم يُصابوا)
(وقاهمْ جَدُّهم ببني أبيهم ... وبالأشقَينَ ما كان العَقاب)
الجد هاهنا: الحظ؛ من ذلك قولهم: (ولا ينفع ذا الجد منك الجد)، أي لا ينفع ذا الحظ حظه من
امرك، وهو الذي تسميه العامة البخت. ومعنى البيت: وبالأشقين كان العقاب. العقاب اسم كان، والباء
خبر كان، وما صلة دخلت لتوكيد الكلام. ويجوز أن تكون ما في موضع رفع بالباء والعقاب اسم
كان، ولا خبر لكان لأنها بتقدير المصدر. والمعنى: وبالأشقين كون العقاب. ويروى: (وقاهم جدهم
ببني علي). وعلي هو عبد مناة بن كنانة، وإنما سمى عليا بعلي بن مسعود الغساني.
(وأفلتَهنّ علباءٌ جريضاً ... ولو أدركْنَهُ صَفِر الوِطابُ)
قوله (وأفلتهن) معناه وأفلت الخيل علباء. وإنما كنى عن الخيل ولم يتقدم ذكرها لأنه قد ذكر ما يدل
عليها. قال الله عز وجل: (إنا أنزلناهُ في ليَلة القدْر) أراد: أنزلنا القرآن، فكنى عن القرآن ولم يتقدم
له ذكر، لدلالة المعنى عليه. والجريض: الذي تكاد نفسه تخرج. يقال: إنه ليجرض بريقه وبنفسه، إذا
كان بآخر رمق. وقوله (ولو أدركنه) معناه ولو أدركت الخيل علباء لتركته جسدا بلا روح. والوطاب
جمع، وهو الزق الذي يكون فيه اللبن، ضربه مثلا. وقال أبو عبيدة: الجريض الذي صارت نفسه في
شدقه.
ثم أن أمرؤ القيس خرج إلى اليمن مستمدا، ثم أقبل بجموع من اليمن وربيعة، يريد بني أسد، فقال
امرؤ القيس في ذلك:
يا لهف نفسي أن خَطئن كاهلا
القاتِلين الملك الحُلاحلا
معناه أن أخطأت الخيل كاهلا ووقعت ببني كنانة. وبنو كنانة من أسد. ويروى:
يا لهف هند إذْ خئن كاهلا