عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قوله) القبيح في حق النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والمؤمنين. (فتبسم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقال):
(أخر عني يا عمر. فلما أكثرت عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكلام (قال: إني خيرت) بضم الخاء المعجمة مبنيًّا للمفعول، أي: في قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة: 80] الآية. وفي نسخة: إني قد خيرت (فاخترت) الاستغفار. (لو أعلم أني إن زدت) ولأبي ذر: لو زدت (على السبعين فغفر له) ولأبي ذر: يغفر له (لزدت عليها).
(قال) عمر: (فصلّى عليه رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم انصرف) من صلاته (فلم يمكث إلا يسيرًا حتى نزلت الآيتان من) سورة (براءة: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} إلى: ({وَهُمْ}) ولأبي ذر: إلى قوله وهم ({فاسقون}) فنهي عن الصلاة لأن: المراد منها الدعاء للميت والاستغفار له وهو ممنوع في حق الكافر ولذلك رتب النهي على قوله مات أبدًا يعني الموت على الكفر، فإن إحياء الكافر للتعذيب، دون التمتع. وقوله: {وَهُمْ فَاسِقُونَ} تعليل للنهي.
(قال) عمر: (فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يومئذ) في مراجعتي له (والله ورسوله أعلم).
(باب) مشروعية (ثناه الناس) بالأوصاف الحميدة، والخصال الجميلة (على الميت) بخلاف
الحي، فإنه منهي عنه إذا أفضى إلى الإطراء خشية الإعجاب.
1367 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ "مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَبَتْ. ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ: وَجَبَتْ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه-: مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ. أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ". [الحديث 1367 - طرفه في: 2642].
وبالسند قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج، قال: (حدّثنا عبد العزيز بن صهيب، قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه، يقول):
(مروا) ولأبي ذر: مرّ، بضم الميم مبنيًا للمفعول (بجنازة، فأثنوا عليها خيرًا) في رواية النضر بن أنس عند الحاكم، فقالوا: كان يحب الله ورسوله، ويعمل بطاعة الله، ويسعى فيها، (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وجبت، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرًّا) قال في رواية الحاكم المذكورة: فقالوا: كان يبغض الله ورسوله، ويعمل بمعصية الله ويسعى فيها، (فقال) عليه الصلاة والسلام: (وجبت).
واستعمال الثناء في الشر لغة شاذة، لكنه استعمل هنا للمشاكلة لقوله: فأثنوا عليها خيرًا.
وإنما مكنوا من الثناء بالشر مع الحديث الصحيح في البخاري في النهي عن سب الأموات لأن النهي عن سبهم إنما هو في حق غير المنافقين، والكفار، وغير المتظاهر بالفسق، والبدعة. وأما هؤلاء فلا يحرم سبهم، للتحذير من طريقتهم، ومن الاقتداء بآثارهم، والتخلق بأخلاقهم. قاله النووي.
(فقال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه) لرسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مستفهمًا عن قوله: (ما وجبت؟ قال) عليه الصلاة والسلام:
(هذا أثنيتم عليه خيرًا، فوجبت له الجنة. وهذا أثنيتم عليه شرًّا فوجبت له النار) والمراد بالوجوب: الثبوت، أو هو في صحة الوقوع كالشيء الواجب، والأصل أنه لا يجب على الله شيء، بل الثواب فضله، والعقاب عدله. لا يسأل عما يفعله (أنتم شهداء الله في الأرض) ولفظه في: الشهادات: المؤمنون شهداء الله في الأرض. فالمراد: المخاطبون بذلك من الصحابة، ومن كان على صفتهم من الإيمان. فالمعتبر شهادة أهل الفضل والصدق، لا الفسقة. لأنهم قد يثنون على من كان مثلهم، ولا من بينه وبين الميت عداوة، لأن شهادة العدو لا تقبل. قاله الداودي.
وقال المظهري: ليس معنى قوله: أنتم شهداء الله في الأرض، أي: الذي يقولونه في حق شخص يكون كذلك، حتى يصير من يستحق الجنة من أهل النار بقولهم، ولا العكس. بل معناه أن الذي أثنوا عليه خيرًا رأوه منه كان ذلك علامة كونه من أهل الجنة، وبالعكس.
وتعقبه الطيبي في شرح المشكاة، بأن قوله: وجبت، بعد ثناء الصحابة، حكم عقب وصفًا مناسبًا، فأشعر بالعلية. وكذا الوصف بقوله: أنتم شهداء الله في الأرض. لأن الإضافة فيه للتشريف بأنهم بمنزلة عالية عند الله، فهو كالتزكية من الرسول، لأمته، وإظهار عدالتهم بعد شهادتهم لصاحب الجنازة، فينبغي أن يكون لها أثر ونفع في حقه. قال: وإلى معنى هذا يومئ قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] اهـ.
وقال النووي: قال بعضهم: معنى الحديث أن الثناء بالخير لمن أثنى عليه أهل الفضل، وكان ذلك مطابقًا للواقع، فهو من أهل الجنة، وإن كان غير مطابق فلا، وكذا عكسه. قال: والصحيح أنه على عمومه، وأن من مات فألهم الله الناس الثناء عليه