ومن كفن بغير قميص، بضم الياء وفتح الكاف وتشديد الفاء، من: يكف في الموضعين أي: خيطت حاشيته أو لم تخط، لأن الكف خياطة الحاشية.
وضبطه بعضهم بفتح الياء وضم الكاف وتشديد الفاء، وصوبه ابن رشيد أي: يتبرك بإلباس قميص الصالح للميت، سواء كان يكف عن الميت العذاب أو لا يكلف.
وضبطه آخر بفتح الياء وسكون الكاف وكسر الفاء، وجزم المهلب: بأنه الصواب، وأن الياء سقطت من الكاتب.
قال ابن بطال: فالمراد طويلاً كان القميص أو قصيرًا، والأول أولى.
وفي الخلافيات للبيهقي، من طريق ابن عون. قال: كان محمد بن سيرين يستحب أن يكون قميص الميت كقميص الحي مكففًا مزرّرًا.
1269 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَىٍّ لَمَّا تُوُفِّيَ جَاءَ ابْنُهُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي قَمِيصَكَ أُكَفِّنْهُ فِيهِ، وَصَلِّ عَلَيْهِ وَاسْتَغْفِرْ لَهُ. فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَمِيصَهُ فَقَالَ: آذِنِّي أُصَلِّي عَلَيْهِ. فَآذَنَهُ. فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ جَذَبَهُ عُمَرُ -رضي الله عنه- فَقَالَ: أَلَيْسَ اللَّهُ نَهَاكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ؟ فَقَالَ: أَنَا بَيْنَ خِيرَتَيْنِ قَالَ الله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}. فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَنَزَلَتْ {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا}. [الحديث 1269 - أطرافه في: 4670، 4672، 5796].
وبالسند قال: (حدَّثنا مسدد) أي: ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن عبيد الله) بضم العين، ابن عمر العمري (قال: حدَّثني) بالإفراد (نافع عن ابن عمر) بضم العين (رضي الله عنهما):
(أن عبد الله بن أبي) بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد المثناة التحتية، ابن سلول، رأس المنافقين (لما توفي) في ذي القعدة، سنة تسع، منصرف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من تبوك، وكانت مدة مرضه عشرين ليلة، ابتداؤها من ليالٍ بقيت من شوال. (جاء ابنه) عبد الله. وكان من فضلاء الصحابة وخيارهم (إلى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: يا رسول الله) وسقط قوله: يا رسول الله عند أبي ذر، (أعطني قميصك أكفنه فيه) بالجزم جواب الأمر. والضمير لعبد الله بن أبي (وصّلِّ عليه واستغفر له).
ووقع عند الطبري، من طريق الشعبي: لما احتضر عبد الله جاء ابنه إلى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: يا نبيّ الله إن أبي احتضر، فأحب أن تحضره وتصلِّي عليه؛ وكأنه كان يحمل أمر أبيه على ظاهر الإسلام، فلذلك التمس من النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أن يحضر عنده، لا سيما وقد ورد ما يدل على أنه فعل ذلك بعهد من أبيه، فأخرج عبد الرزاق، عن معمر، والطبري من طريق سعيد، كلاهما، عن قتادة قال: أرسل عبد الله بن أبي إلى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما دخل عليه قال: أهلكك حب يهود؟. قال: يا رسول الله! إنما أرسلت إليك لتستغفر لي، ولم أرسل إليك لتوبخني. ثم سأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه.
قال في الفتح: وهذا مرسل مع ثقة رجاله، ويعضده ما أخرجه الطبراني، من طريق الحكم بن أبان، عن عكرمة عن ابن عباس: لما مرض عبد الله بن أبي، جاءه النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: امنن عليّ، فكفني في قميصك وصلِّ عليّ.
قال الحافظ ابن حجر: وكأنه أراد بذلك دفع العار عن ولده وعشيرته بعد موته، فأظهر الرغبة في صلاة النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عليه.
وقد وقعت إجابته إلى سؤاله على حسب ما أظهر من حاله إلى أن كشف الله الغطاء عن ذلك بما سيأتي إن شاء الله تعالى، قال: وهذا من أحسن الأجوبة، فيما يتعلق بهذه القصة.
(فأعطاه النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قميصه) أي: أعطى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قميصه لولده إكرامًا للولد، أو مكافأة لأبيه عبد الله بن أبي، لأنه لما أسر العباس ببدر، ولم يجدوا له قميصًا يصلح له، وكان رجلاً طويلاً، فألبسه قميصه، فكافأه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بذلك كي لا يكون لمنافق عليه يد لم يكافئه عليها، أو: لأنه ما سئل شيئًا قط، فقال: لا، أو: إن ذلك كان قبل نزول قوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا}.
وأما قول المهلب: رجا أن يكون معتقد لبعض ما كان يظهر من الإسلام، فينفعه الله بذلك.
فتعقبه ابن المنير، فقال: هذه هفوة ظاهرة، وذلك أن الإسلام لا يتبعض، والعقيدة شيء واحد، لأن بعض معلوماتها شرط في البعض، والإخلال ببعضها إخلال بجملتها، وقد أنكر الله تعالى على من آمن بالبعض وكفر بالبعض، كما أنكر على من كفر بالكل. اهـ.
(فقال) عليه الصلاة والسلام: (آذني) بالمد وكسر الذال المعجمة، أي: أعلمني (أصلي عليه) بعدم الجزم على الاستئناف وبه جوابًا للأمر.
(فآذنه) أعلمه (فلما أراد) عليه الصلاة والسلام (أن يصلّي عليه، جذبه عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه) بثوبه (فقال: أليس الله نهاك أن تصلي) أي: عن الصلاة (على المنافقين) وفهم ذلك عمر رضي الله عنه من قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113]