عباس رضي الله عنهما قال):
(بينما) بالميم (رجل واقف مع رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بعرفة) عند الصخرات، وجواب بينما، قوله: (إذ وقع من راحلته فأقصعته) بصاد فعين مهملتين (أو قال: فأقعصته) بتقديم العين على الصاد، أي: قتلته سريعًا (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين).
قال القاضي عياض: أكثر الروايات، ثوبيه بالهاء. وقال النووي في شرح مسلم: فيه جواز التكفين في ثوبين، والأفضل ثلاثة (ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه). بذلك أخذ الشافعي.
وقال مالك وأبو حنيفة: يفعل به ما يفعل بالحلال، لحديث: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث". فعبادة الإحرام انقطعت عنه. قال ابن دقيق العيد، كما مر وهو مقتضى القياس.
لكن الحديث بعد أن ثبت يقدم على القياس، وقال بعض المالكية: حديث المحرم هذا خاص به، ويدل عليه قوله:
(فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيًا) فأعاد الضمير عليه، ولم يقل: فإن المحرم. وحينئذٍ فلا يتعدى حكمه إلى غيره إلا بدليل.
وجوابه ما قاله ابن دقيق العيد: إن العلة إنما ثبتت لأجل الإحرام، فتعم كل محرم. اهـ.
ومطابقته للترجمة بطريق المفهوم من منع الحنوط للمحرم.
هذا (باب) بالتنوين (كيف يكفن المحرم) إذا مات؟ وسقط الباب وقاله لابن عساكر.
1267 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهم- أَنَّ رَجُلاً وَقَصَهُ بَعِيرُهُ وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلاَ تُمِسُّوهُ طِيبًا، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّدًا".
وبالسند قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي، قال: (أخبرنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة، جعفر بن أبي وحشية (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما):
(أن رجلاً وقصه بعيره) أي: كسر عنقه، فمات. لكن نسبته للبعير مجاز إن كان مات من الوقعة عنه، وإن أثرت ذلك فيه بفعلها فحقيقة، (ونحن مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو) أي الرجل الموقوص (محرم) بالحج عند الصخرات بعرفة، و: والواو في: ونحن، وفي: وهو، للحال (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(اغسلوه بماء وسدر) فيه إباحة غسل المحرم الحي بالسدر، خلافًا لمن كرهه له (وكفنوه في ثوبين) فليس الوتر في الكفن شرطًا في الصحة كما مر، وفي رواية: ثوبيه بالهاء، وفيه استحباب تكفين المحرم في ثياب إحرامه، وأنه لا يكفن في المخيط، وإحدى الروايتين مفسرة للأخرى. (ولا تمسوه طينًا) بضم الفوقية وكسر الميم من أمس (ولا تخمروا رأسه، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبدًا) بدال مهملة بدل المثناة التحتية. كذا للأكثرين، وفي رواية المستملي: ملبيًا والتلبيد: جمع شعر الرأس بصمغ، أو غيره، ليلتصق شعره فلا يشعث في الإحرام.
لكن أنكر القاضي عياض هذه الرواية، وقال: الصواب ملبيًا بدليل رواية يلبي. فارتفع الإشكال، وليس للتلبيد هنا معنى.
قال الزركشي، وكذا رواه البخاري في كتاب الحج: فإنه يبعث يهل. اهـ.
وكل هذا لا ينافي رواية ملبدًا إن صحت، لأنه حكاية حاله عند موته. اهـ.
يعني أن الله يبعثه على هيئته التي مات عليها.
1268 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍو وَأَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهم- قَالَ: "كَانَ رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَرَفَةَ فَوَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، قَالَ أَيُّوبُ: فَوَقَصَتْهُ -وَقَالَ عَمْرٌو: فَأَقْصَعَتْهُ- فَمَاتَ، فَقَالَ: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلاَ تُحَنِّطُوهُ، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ - قَالَ أَيُّوبُ: يُلَبِّي، وَقَالَ عَمْرٌو: مُلَبِّيًا".
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو: ابن مسرهد، قال: (حدّثنا حماد بن زيد) هو: ابن درهم الجهضمي البصري (عن عمرو) هو: ابن دينار (وأيوب) السختياني كلاهما (عن سعيد بن جبير) الأسدي، مولاهم، الكوفي (عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال):
(كان رجل واقف) بالرفع، صفة لرجل، لأن كان تامة. ولأبي ذر: واقفًا، بالنصب على أنها ناقصة، (مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بعرفة) عند الصخرات (فوقع عن راحلته. قال أيوب) السختياني في روايته: (فوقصته) بالقاف بعد الواو من الوقص، وهو كسر العنق، كما مر (-وقال عمرو) بفتح العين: ابن دينار (فأقصعته-) بتقديم الصاد على العين، ولأبي ذر عن الكشميهني: فأقعصته، بتقديم العين (فمات، فقال):
(اغسلوه بماءٍ وسدرٍ وكفنوه في ثوبين) بالنون (ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة).
(قال أيوب) السختياني في روايته (يلبي) بصيغة المضارع المبني للفاعل.
(وقال عمرو) بن دينار: (ملبيًا) على صيغة اسم الفاعل منصوب على الحال، والفرق بينهما أن الفعل يدل على التجدد، والاسم يدل على الثبوت.
(باب الكفن في القميص الذي يكف أو لا يكف) زاد المستملي: