الثلاث كلها.
وظاهره: أن العقد كلها تنحل بالصلاة، وهو خاصة، كذلك، في حق من لم يحتج إلى الطهارة، كمن نام متمكنًا مثلاً ثم انتبه فصلّى من قبل أن يذكر أو يتطهر، لأن الصلاة تستلزم الطهارة، وتتضمن الذكر.
وقوله: عقده، ضبطها في اليونينية بلفظ الجمع والإفراد، كما ترى قال ابن قرقول في مطالعه، كعياض رحمه الله في مشارقه: اختلف في الآخرة منها فقط، فوقع في الموطأ لابن وضاح
على الجمع، وكذا ضبطناها في البخاري، وكلاهما، يعني: الجمع والإفراد، صحيح. والجمع أوجه، لا سيما وقد جاء في رواية مسلم: في الأولى عقدة وفي الثانية عقدتان، وفي الثالثة العقد. اهـ.
فقد تبين أن قول من قال: إنه في اليونينية بلفظ الجمع مع نصب الدال ناشئ عن عدم تأمله لما في اليونينية، ولعله لم يقف على اليونينية نفسها، بل على ما هو مقابل عليها، أو مكتوب منها، وخفي على الكاتب أو القابل ذلك لدقة ذلك، كمواضع فيها محيت لا تدرك إلا بالتأمل التام.
ويؤيد ما قلته، قول القاضي السابق، فتأمله.
وأما تخريج النصب على الاختصاص أو غيره، فلا يصار إليه إلا عند ثبوت الرواية: ولا أعرفه. ومن ادعى أن النصب مع الجمع رواية، فعليه البيان.
وقوله: (فأصبح نشيطًا) أي لسروره بما وفقه الله له من الطاعة، وما وعد به من الثواب، وما زال عنه من عقد الشيطان، (طيب النفس) لما بارك الله له في نفسه من هذا التصرف الحسن، كذا قيل: قال في الفتح والظاهر أن في صلاة الليل سرًّا في طيب النفس، وإن لم يستحضر المصلي شيئًا مما ذكر (وإلا) بأن ترك الذكر والوضوء والصلاة (أصبح خبيث النفس) بتركه ما كان اعتاده أو قصده، من فعل الخير.
ووصف النفس بالخبث. وإن كان وقع النهي عنه في قوله عليه الصلاة والسلام: "لا يقولن أحدكم خبثت نفسي"، للتنفير، والتحذير أو النهي لمن يقول ذلك. وهنا إنما أخبر عنه بأنه كذلك فلا تضادّ.
(كسلان) لبقاء أثر تثبيط الشيطان، ولشؤم تفريطه، وظفر الشيطان به بتفويته الحظ الأوفر من قيام الليل، فلا يكاد يخف عليه صلاة ولا غيرها من القربات.
وكسلان: غير منصرف للوصف، وزيادة الألف والنون مذكر: كسلى، ومقتضى قوله: وإلا أصبح أنه إن لم يجمع الأمور الثلاثة دخل تحت من يصبح خبيثًا كسلان. وإن أتى ببعضها، لن يختلف ذلك بالقوة والخفة، فمن ذكر الله مثلاً كان في ذلك أخف ممن لم يذكر أصلاً. وهذا الذم مختص بمن لم يقم إلى الصلاة وضيعها.
أما من كانت له عادة، فغلبته عينه، فقد ثبت أن الله يكتب له أجر صلاته ونومه عليه صدقة، ولا يبعد أن يجيء مثل ما ذكر في نوم النهار كالنوم حالة الابراد مثلاً، ولا سيما على تفسير البخاري من أن المراد بالحديث الصلاة المفروضة. قاله في الفتح.
فإن قلت: الحديث مطلق يدل على عقده رأس جميع المكلفين: من صلّى ومن لم يصل، وإنما تنحل عمن أتى بالثلاث، والترجمة مقيدة برأس من لم يصل. فما وجه المطابقة؟
أجيب: بأن مراده أن استدامة العقد إنما تكون على من ترك الصلاة، وجعل من صلّى وانحلت عقده كمن لم يعقد عليه لزوال أثره. قاله المازري.
وقوله في الترجمة: إذا لم يصل، أعم من أن لا يصلّي العشاء أو غيرها من صلاة الليل، ولا قرينة للتقييد بالعشاء.
وظاهر الحديث يدل على أن العقد يكون عند النوم، سواء صلّى قبله أو لم يصل. قاله في عمدة القارئ، رادًا على صاحب الفتح حيث قال: ويحتمل أن تكون الصلاة المنفية في الترجمة صلاة العشاء، فيكون التقدير: إذا لم يصل العشاء، فكأنه يرى أن الشيطان إنما يفعل ذلك بمن نام قبل صلاة العشاء، بخلاف من صلاها لا سيما في الجماعة، فإنه كمن قام الليل في حل عقد الشيطان.
وهذا الحديث أخرجه أبو داود.
1143 - حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الرُّؤْيَا قَالَ: "أَمَّا الَّذِي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفِضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ".
وبه قال: (حدّثنا مؤمل بن هشام) بفتح الميم الثانية المشددة البصري (قال: حدّثنا إسماعيل) ولأبي ذر والأصيلي: إسماعيل ابن علية بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد التحتية، اسم أمه، واسم أبيه: إبراهيم بن سهم الأسدي البصري (قال: حدّثنا عوف) الأعرابي (قال: حدّثنا أبو رجاء) عمران بن ملحان العطاردي (قال: حدّثنا سمرة بن جندب) بفتح الدال وضمها (رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في الرؤيا قال):
(أما الذي يثلغ رأسه بالحجر) بمثلثة ساكنة ولام مفتوحة بعدها غين