(حتى يقبض العلم) بموت العلماء وكثرة الجهلاء (وتكثر الزلازل) جمع، زلزلة، وهي حركة الأرض واضطرابها، حتى ربما يسقط البناء القائم عليها (ويتقارب الزمان).
فتكون كما في الترمذي، من حديث أنس مرفوعًا: السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة، والساعة كالضرمة بالنار. أي: كزمان اتقاد الضرمة. وهي ما توقد به النار أولاً: كالقضب والكبريت، أو يحمل ذلك: على قلة بركة الزمان، وذهاب فائدته، أو: على أن الناس، لكثرة اهتمامهم بما دهمهم من النوازل والشدائد، وشغل قلوبهم بالفتن العظام، لا يدرون كيف تنقضي أيامهم ولياليهم.
فإن قلت: العرب تستعمل قصر الأيام والليالي في المسرات، وطولها في المكاره.
أجيب: بأن المعنى الذي يذهبون إليه في القصر والطول، مفارق للمعنى الذي ذهب إليه هنا، فإن ذلك راجع إلى تمني الإطالة للرخاء، أو إلى تمني القصر للشدة. والذي ذهب إليه ثم راجع إلى زوال الإحساس بما يمر عليهم من الزمان، لشدة ما هم فيه، وذلك أيضًا صحيح.
نعم، حمله الخطابي على زمان المهدي، لوقوع الأمن في الأرض، فيُستَلذّ العيش عند ذلك، لانبساط عدله، فتستقصر مدته، لأنهم يستقصرون مدة أيام الرخاء، وإن طالت. ويستطيلون أيام الشدة، وإن قصرت.
وتعقبه الكرماني: بأنه لا يناسب أخواته من ظهور الفتن، وكثرة الهرج، وغيرهما، قال في الفتح: وإنما احتاج الخطابي إلى تأويله بما ذكر لأنه لم يقع نقص في زمانه، وإلا فالذي تضمنه الحديث قد وجد في زماننا هذا، فإنا نجد من سرعة مر الأيام ما لم نكن نجده في العصر الذي قبل عصرنا هذا، وإن لم يكن هناك عيش مستلذ.
والحق أن المراد نزع البركة من كل شيء حتى من الزمان، وذلك من علامة قرب الساعة.
وحمله بعضهم على تقارب الليل والنهار في عدم ازدياد الساعات، وانتقاصها. بأن يتساويا: طولاً وقصرًا.
قال أهل الهيئة: تنطبق دائرة منطقة البروج على دائرة معدل النهار، فحينئذٍ يلزم تساويهما ضرورة.
(وتظهر الفتن) أي: تكثر وتُشْتَهَر (ويكثر الهرج) بفتح الهاء وإسكان الراء وبالجيم (-وهو القتل القتل-) مرتين، وهو صريح في أن تفسير الهرج مرفوع، ولا يعارض ذلك بمجيئه في رواية أخرى موقوفًا.
وقد سبق الحديث في: كتاب العلم، من طريق سالم بن عبد الله بن عمر، سمعت أبا هريرة
في آخرة قيل يا رسول الله! وما الهرج؟ فقال: هكذا، بيده، فحرفها كأنه يريد القتل، فيجمع بأنه جمع بين الإشارة والنطق، فحفص بعض الرواة ما لم يحفظ بعض.
(حتى يكثر فيكم المال) لقلة الرجال، وقلة الرغبات، وقصر الآمال للعلم بقرب الساعة (فيفيض) بفتح حرف المضارعة وبالفاء والضاد المعجمة والرفع، خبر مبتدأ محذوف، أي: هو يفيض، ولأبي ذر: فيفيض، بالنصب عطفًا على: يكثر، وهو غاية، لكثرة الهرج، أو: معطوف على: ويكثر، بإسقاط العاطف. كالتحيات المباركات، أي: والمباركات. ويفيض استعارة من: فيض الماء لكثرته، كقوله:
شكوت وما الشكوى لمثلي عادة ... ولكن تفيض الكأس عند امتلائها
يقال: فاض الماء يفيض إذا كثر حتى سال على ضفة الوادي، أي: جانبه، وأفاض الرجل إناءه، أي: ملأه حتى فاض. والمعنى: يفيض المال حتى يكثر، فيفضل منه بأيدي مالكيه ما لا حاجة لهم به. وقيل: بل ينتشر في الناس ويعمهم.
1037 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وَفِي يَمَنِنَا. قَالَ: قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا. قَالَ: قَال: هُنَاكَ الزَّلاَزِلُ وَالْفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ". [الحديث 1037 - طرفه في: 7094].
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر في نسخة: حدّثني (محمد بن المثنى) العنزي الزمن البصري (قال: حدّثنا حسين بن الحسن) بتصغير الأول مع التنكير، ابن يسار، ضد اليمين، البصري (قال: حدّثنا ابن عون) عبد الله بن أرطبان، بفتح الهمزة، البصري (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب أنه (قال اللهم) ولأبي ذر، قال: قال: اللهم أي: يا الله (بارك لنا في شامنا وفي يمننا) كذا بصورة الموقوف على ابن عمر، من قوله: لم يرفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، ولابد من ذكره كما نبه عليه القابسي، لأن مثله لا يقال بالرأي.
وقد جاء مصرحًا برفعه في رواية أزهر السمان، ووافقه عليه بعضهم، كما سيأتي، إن شاء الله تعالى في الفتن.
والمراد: بشامنا