أيضًا قوله: من سبقكم، في رواية الأصيلي.
والسبقية المذكورة رجح ابن دقيق العيد أن تكون معنوية، وجوّز غيره أن تكون حسية، قال الحافظ: والأوّل أولى. اهـ.
(ولم يدرككم أحد بعدكم) لا من أصحاب الأموال ولا من غيرهم، (وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه) بفتح النون مع الإفراد، ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: بين ظهرانيهم، أي: من أنتم بينهم (إلا مَن عمل) من الأغنياء (مثله) فلستم خيرًا.
لأن هذا هو نقيض الحكم الثابت للمستثنى منه، وانتقاء خيرية المخاطبين بالنسبة إلى من عمر مثل عملهم صادق بمساواتهم لهم في الخيرية، وبها يجُاب عن استشكال ثبوت الأفضلية في خير مع التساوي في العمل الفهوم من قوله: أدركتم، وهو أحسن من التأويل: بإلا مَن عمل مثله. وزاد: بغيره من فعل البر، أشار إليه البدر الدماميني، لكن لا يمتنع أن يفوق الذكر مع سهولته الأعمال الشاقّة الصعبة من الجهاد، ونحوه، وإن ورد: أفضل العبادات أحمزها، لأن في الإخلاص في الذكر من المشقّة، ولا سيما الحمد في حال الفقر، ما يصير به أعظم الأعمال. وأيضًا فلا يلزم أن يكون الثواب على قدر المشقّة، في كل حال، فإن ثواب كلمة الشهادتين مع سهولتها، أكثر من العبادات الشاقة.
وإذا قلنا إن الاستثناء يعود على كل من السابق والمدرك، كما هو قاعدة الشافعي، رحمه الله، في أن الاستثناء المتعقب للجمل عائد على كلها، يلزم قطعًا أن يكون الأغنياء أفضل: إذ معناه: إن أخذتم أدركتم إلا مَن عمل مثله فإنكم لا تدركون.
(تسبّحون، وتحمدون، وتكبرون خلف كل صلاة) أي مكتوبة. وعند المصنف في الدعوات: دبر كل صلاة، ورواية: خلف، مفسرة لرواية: دبر، وللفريابي من حديث أبي ذر: إثر كل صلاة، أي: تقولون كل واحد من الثلاثة (ثلاثًا وثلاثين) فالمجموع لكل فرد فرد، والأفعال الثلاثة تنازعت في الظرف، وهو: خلف، و: في ثلاثًا وثلاثين، وهو مفعول مطلق، وقيل المراد المجموع للجميع.
فإذا وزع كان لكل واحد من الثلاثة أحد عشر، ويبدأ بالتسبيح لأنه يتضمن نفي النقائص عنه تعالى، ثم ثنى بالتحميد لأنه يتضمن إثبات الكمال له، إذ لا يلزم من نفي النقائص إثبات الكمال، ثم ثلث بالكبير إذ لا يلزم من نفي النقائص. وإثبات الكمال نفي أن يكون هناك كبير آخر.
وقد وقع في رواية ابن عجلان تقديم التكبير على التحميد، ومثله لأبي داود من حديث أم حكيم، وله في حديث أبي هريرة: يكبر ويحمد ويسبح، وهذا الاختلاف يدل على أن لا ترتيب فيه، ويستأنس له بقوله في حديث: "الباقيات الصالحات لا يضرك بأيّهنّ بدأت". لكن ترتيب حديث الباب الموافق لأكثر الأحاديث أولى لما مر.
قال سميّ: (فاختلفنا بيننا) أي: أنا وبعض أهلي، هل كل واحد ثلاثًا وثلاثين أو المجموع (فقال بعضنا: نسبح ثلاثًا وثلاثين، ونحمد ثلاثًا وثلاثين ونكبر أربعًا وثلاثين)، قال سميّ: (فرجعت إليه) أي، أبي صالح.
والقائل أربعًا وثلاثين بعض أهل سميّ، أو القائل، فاختلفنا، أبو هريرة.
والضمير في: فرجعت له، وفي إليه، للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والخلاف بين الصحابة وهم القائلون: أربعًا وثلاثين، كما هو ظاهر الحديث، لكن الأول أقرب لوروده في مسلم، ولفظه: قال سميّ:
فحدثت بعض أهلي هذا الحديث. فقال: وهمت. فذكر كلامه، قال: فرجعت إلى أبي صالح، إلا أن مسلمًا لم يوصل هذه الزيادة.
(فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو أبو صالح (تقول):
(سبحان الله والحمد لله، والله أكبر، حتى يكون) العدد (منهن كلهن ثلاثًا وثلاثين). وهل العدد للجميع أو المجموع؟.
ورواية ابن عجلان ظاهرها أن العدد للجميع، ورجحه بعضهم للإتيان فيه بواو العطف.
والمختار أن الإفراد أولى لتميزه باحتياجه إلى العدد، وله على كل حركة لذلك، سواء كان بأصابعه أو بغيرها ثواب لا يحصل لصاحب الجمع منه إلا الثلث، ثم إن الأفضل الإتيان بهذا الذكر متتابعًا في الوقت الذي عين فيه، وهل إذا زيد على العدد المنصوص عليه من الشارع يحصل ذلك الثواب المترتب عليه أم لا؟
قال بعضهم: لا يحصل، لأن لتلك الأعداد حكمة وخاصية، وإن خفيت علينا، لأن كلام الشارع لا يخلو عن حكم، فربما يفوت بمجاوزة ذلك العدد