بالموحدة قبل التحتية في يوم (قلنا بلى يا رسول الله قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر فقال (أي بلد هذا)
بالتذكير (أليست بالبلدة)؟ ولأبى ذر عن الحموي زيادة الحرام بتأنيث البلدة وتذكير الحرام الذي هو صفتها وذلك أن لفظ الحرام اضمحل منه معنى الوصفية وصار اسمًا والبلدة اسم خاص بمكة وهي المراد بقوله إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وخصها من بين سائر البلاد بإضافة اسمه إليها لأنها أحب بلاده إليه وأكرمها عليه وأشار إليها إشارة تعظيم لها دالاًّ على أنها موطن بيته ومهبط وحيه (قلنا بلى يا رسول الله قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم) جمع عرض بكسر العين وهو موضع المدح والذم هن الإنسان سواء كان في نفسه أو في سلفه (وأبشاركم) بفتح الهمزة وسكون الموحدة بعدها معجمة ظاهر جلد الإنسان والمعنى فإن انتهاك دمائكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم (عليكم حرام) إذا كان بغير حق (كحرمة يومكم هذا) يوم النحر (في شهركم هذا) ذي الحجة (في بلدكم هذا) مكة وشبه الدماء والأموال والأعراض والأبشار في الحرمة باليوم وبالشهر والبلد لاشتهار الحرمة فيها عندهم، وإلاّ فالمشبه إنما يكون دون المشبه به ولهذا قدم السؤال عنها مع شهرتها لأن تحريمها أثبت في نفوسهم إذ هي عادة سلفهم وتحريم الشرع طارئ وحينئذ فإنما شبه الشيء بما هو أعلى منه باعتبار ما هو مقرر عندهم.
وهذا وإن كان سبق في موضعين العلم والحج فذكره هنا لبعد العهد به، وقال في اللامع كالكواكب لم يذكر في هذا الرواية أي شهر مع أنه قال بعد في شهركم هذا كأنه لتقرر ذلك عندهم، وحرمة البلد وإن كانت متقررة أيضًا لكن الخطبة كانت بمنى وربما قصد به دفع وهم من يتوهم أنها خارجة عن الحرم أو من يتوهم إن البلدة لم تبق حرامًا لقتاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيها يوم الفتح، واختصره الراوي اعتمادًا على سائر الروايات مع أنه لا يلزم ذكره في صحة التشبيه اهـ.
وسقط لابن عساكر لفظ هذا من قوله يومكم هذا. ثم قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام يا قوم (هل بلغت)؟ ما أمرني به الله تعالى (قلنا: نعم) بلغت (قال: اللهم اشهد فليبلغ الشاهد) أي الحاضر هذا المجلس (الغائب) عنه وهو نصب مفعول سابقه (فإنه رب مبلغ) بفتح اللام المشددة بلغه كلامي بواسطة (يبلغه) غيره بكسرها كذا في الفرع بفتح ثم كسر وعليه جرى في الفتح. وقال في الكواكب بكسرهما، وصوّبه العيني متعقبًا لابن حجر قلت: وكذا هو في اليونينية بكسر اللام فيهما والضمير الراجع إلى الحديث مفعول أول له (من) بفتح الميم ولأبي ذر عن الكشميهني لمن (هو أوعى) أحفظ (له) ممن بلغه مفعول ثانٍ فقال محمد بن سيرين (فكان كذلك) أي وقع التبليغ كثيرًا من الحافظ إلى الأحفظ والذي يتعلق به رب محذوف تقديره يوجد أو يكون.
(قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالسند السابق من رواية محمد بن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبي بكرة (لا ترجعوا) تصيروا (بعدي) بعد موقفي أو بعد موتي (كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض) برفع يضرب ومر ما فيه قريبًا قال عبد الرحمن بن أبي بكرة (فلما كان يوم حرق) بضم الحاء
المهملة (ابن الحضرمي) بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة وفتح الراء عبد الله بن عمرو، وقول الدمياطي إن الصواب أحرق بالهمزة المضمومة تعقبه في الفتح بأن أهل اللغة جزموا بأنهما لغتان أحرقه وحرقه والتشديد للتكثير، وتعقبه العيني فقال: هذا كلام من لا يذوق من معاني التراكيب شيئًا، وتصويب الدمياطي باب الأفعال لكون المقصود حصول الإحراق، وليس المراد المبالغة فيه حتى يذكر باب التفعيل (حين حرقه جارية بن قدامة) بالجيم والتحتية وقدامة بضم القاف ابن مالك بن زهير بن الحصن التميمي السعدي، وكان السبب في ذلك أن معاوية كان وجه ابن الحضرمي إلى البصرة يستنفرهم على قتال عليّ -رضي الله عنه- فوجه عليّ جارية بن قدامة فحصره فتحصن منه ابن الحضرمي في دار