يسب سبًّا وسبابًا. قال إبراهيم الحربي: السباب أشد من السب وهو أن يقول في الرجل ما فيه وما ليس فيه يريد بذلك عيبه، وقال غيره: السباب هنا مثل القتال فيقتضي المفاعلة، ولأحمد عن غندر عن شعبة سباب المؤمن (فسوق) وهو في اللغة الخروج وفي الشرع الخروج عن طاعة الله ورسوله وهو في الشرع أشد العصيان قال تعالى: {وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان} [الحجرات: 7] ففيه تعظيم حق المسلم والحكم على من سبه بغير حق بالفسق (وقتاله) ومقاتلته (كفر) ظاهره غير مراد فلا متمسك به للخوارج لأنه لما كان القتال أشد من السباب لأنه مُفضٍ إلى إزهاق الروح عبّر عنه بلفظ أشد من لفظ الفسق وهو الكفر ولم يرد حقيقة الكفر التي هي الخروج عن الملة بل أطلق عليه الكفر مبالغة في التحذير معتمدًا على ما تقرر من القواعد، أو المعنى إذا كان مستحلاًّ أو أن قتال المؤمن من شأن الكافر أو المراد الكفر اللغوي الذي هو التغطية، لأن حق المسلم على المسلم أن يعينه وينصره ويكف عنه أذاه فلما قاتله كان كأنه غطى هذا الحق.
والحديث سبق في الإيمان.
7077 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِى وَاقِدٌ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ».
وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم الأنماطي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (أخبرني) بالإفراد (واقد) بالقاف ولأبي ذر واقد بن محمد أي العمري (عن أبيه) محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر (عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) في حجة الوداع عند جمرة العقبة:
(لا ترجعوا) بصيغة النهي أي لا تصيروا ولأبي ذر مما في الفتح لا ترجعون (بعدي كفارًا) بصيغة الخبر (يضرب بعضكم رقاب بعض) برفع يضرب في الفرع كأصله قيل وهو الذي رواه المتقدمون والمتأخرون وفيه وجوه أن يكون جملة صفة لكفارًا أي: لا ترجعوا بعدي كفارًا متّصفين بهذه الصفة القبيحة يعني ضرب بعضكم رقاب بعض، وأن يكون حالاً من ضمير لا ترجعوا أي لا ترجعوا بعدي كفارًا حال ضرب بعضكم رقاب بعض، وأن يكون جملة استئنافية كأنه قيل: كيف يكون الرجوع كفارًا؟ فقال: يضرب بعضكم رقاب بعض. فعلى الأوّل يجوز أن يكون معناه لا ترجعوا عن الدين بعدي فتصيروا مرتدّين مقاتلين بضرب بعضكم رقاب بعض بغير حق على وجه التحقيق، وأن يكون لا ترجعوا الكفار المقاتل بعضهم بعضًا على وجه التشبيه بحذف أداته،
وعلى الثاني يجوز أن يكون معناه لا تكفروا حال ضرب بعضكم رقاب بعض لأمر يعرض بينكم باستحلال القتل بغير حق وأن يكون لا ترجعوا حال المقاتلة لذلك كالكفار في الانهماك في تهييج الشر وإثارة الفتن بغير إشفاق منكم بعضكم على بعض في ضرب الرقاب، وعلى الثالث يجوز أن يكون معناه لا يضرب بعضكم رقاب بعض بغير حق فإنه فعل الكفار وأن يكون لا يضرب بعضكم رقاب بعض كفعل الكفار على ما مرّ وروي بالجزم بدلاً من لا ترجعوا أو جزاء لشرط مقدّر على مذهب الكسائي أي فإن ترجعوا يضرب بعضكم.
والحديث سبق في أوائل الديات.
7078 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ، عَنْ أَبِى بَكْرَةَ، وَعَنْ رَجُلٍ آخَرَ هُوَ أَفْضَلُ فِى نَفْسِى مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ، عَنْ أَبِى بَكْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: «أَلاَ تَدْرُونَ أَىُّ يَوْمٍ هَذَا»؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ فَقَالَ: «أَلَيْسَ بِيَوْمِ النَّحْرِ»؟ قُلْنَا: بَلَى. يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «أَىُّ بَلَدٍ هَذَا؟ أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ»؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِى شَهْرِكُمْ هَذَا فِى بَلَدِكُمْ هَذَا أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَإِنَّهُ رُبَّ مُبَلِّغٍ يُبَلِّغُهُ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ»، فَكَانَ كَذَلِكَ قَالَ: «لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ حُرِّقَ ابْنُ الْحَضْرَمِىِّ حِينَ حَرَّقَهُ جَارِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ قَالَ: أَشْرِفُوا عَلَى أَبِى بَكْرَةَ فَقَالُوا: هَذَا أَبُو بَكْرَةَ يَرَاكَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَحَدَّثَتْنِى أُمِّى عَنْ أَبِى بَكْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ دَخَلُوا عَلَىَّ مَا بَهَشْتُ بِقَصَبَةٍ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا قرة بن خالد) بضم القاف وفتح الراء المشددة السدوسي قال: (حدّثنا ابن سيرين) محمد (عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن) أبيه (أبي بكرة) نفيع بضم النون وفتح الفاء ابن الحارث الثقفي وسقط لابن عساكر عن أبي بكرة (وعن رجل آخر) هو حميد بن عبد الرحمن كما في كتاب الحج في باب الخطبة أيام منى. قال الكرماني: هو ابن عوف، وقال الحافظ ابن حجر: هو الحميري وكلاهما سمع من أبي بكرة وسمع منه محمد بن سيرين (وهو) أي حميد (أفضل في نفسي من عبد الرحمن بن أبي بكرة) لأنه دخل في الولايات وكان حميد زاهدًا (عن أبي بكرة) نفيع -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطب الناس) يوم النحر بمنى فقال:
(ألا تدرون) بتخفيف اللام (أي يوم هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال حتى ظننا) وفي باب الخطبة أيام منى من كتاب الحج فسكت حتى ظننا (أنه سيسميه بغير اسمه فقال: أليس بيوم النحر)؟