وَسَلَّمَ- منصرفه من أحد (فقال): يا رسول الله (إني رأيت الليلة في المنام ظلة) بضم الظاء المعجمة وتشديد اللام سحابة لأنها تظل ما تحتها، وزاد الدارمي من طريق سليمان بن كثير وابن ماجة من طريق سفيان بن عيينة بين السماء والأرض (تنطف) بسكون النون وضم الطاء المهملة وكسرها تقطر (السمن والعسل فأرى الناس يتكففون) أي يأخذون بأكفهم (منها فالمستكثر) أي فمنهم المستكثر في الأخذ (و) منهم (المستقل) فيه أي منهم الآخذ كثيرًا والآخذ قليلاً (وإذا سبب) أي حبل (واصل من الأرض إلى السماء فأراك) يا رسول الله (أخذت به فعلوت) وفي رواية سليمان بن كثير المذكورة فأعلاك الله (ثم أخذ به) بالسبب ولابن عساكر ثم أخذه (رجل آخر فعلاً به ثم أخذ به) ولابن عساكر أيضًا ثم أخذه (رجل آخر فعلاً به ثم أخذ به) ولابن عساكر أيضًا ثم أخذه (رجل آخر فانقطع ثم وصل) بضم الواو وكسر الصاد (فقال أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه-: (يا رسول الله بأبي أنت) مفدي (والله لتدعني) بفتح اللام للتأكيد والدال والعين وكسر النون المشددة لتتركني (فأعبرها) بضم الموحدة وفتح الراء، وزاد سليمان في روايته وكان من أعبر الناس للرؤيا بعد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له:
(اعبر) ولأبي ذر اعبرها بالضمير المنصوب (قال) أبو بكر: (أما الظلة فالإسلام) لأن الظلة
نعمة من نعم الله على أهل الجنة وكذلك كانت على بني إسرائيل وكذلك كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تظله الغمامة قبل نبوته وكذلك الإسلام يقي الأذى وينعم به المؤمن في الدنيا والآخرة (وأما الذي ينطف من العسل والسمن فالقرآن حلاوته تنطف) قال تعالى في العسل: {شفاء للناس} [النحل: 69] وفي القرآن: {شفاء لما في الصدور} [يونس: 57] ولا ريب أن تلاوة القرآن تحلو في الأسماع كحلاوة العسل في المذاق بل أحلى (فالمستكثر من القرآن والمستقل) منه (وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به فيعليك الله) أي يرفعك به (ثم يأخد به رجل من بعدك فيعلو به) فسّر بالصديق -رضي الله عنه- لأنه يقوم بالحق بعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أمته (ثم يأخذ رجل) ولأبي ذر يأخذ به رجل (آخر) هو عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- (فيعلو به ثم يأخذ) ولأبي ذر عن الكشميهني ثم يأخذ به (رجل آخر) هو عثمان بن عفان -رضي الله عنه- (فينقطع به ثم يوصل) بالتخفيف والذي في اليونينية ثم يوصل (له فيعلو به) يعني أن عثمان كاد أن ينقطع عن اللحاق بصاحبيه بسبب ما وقع له من تلك القضايا التي أنكروها فعبر عنها بانقطاع الحبل ثم وقعت له الشهادة فاتصل فالتحق بهم (فأخبرني) بكسر الموحدة وسكون الراء (يا رسول الله بأبي أنت) مفدي (أصبت) في هذا التعبير (أم أخطأت؟ قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له (أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا) قيل خطؤه في التعبير لكونه عبّر بحضوره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحق بتعبيرها، وقيل أخطأ لمبادرته تعبيرها قبل أن يأمره به، وتعقب بأنه عليه الصلاة والسلام أذن له في ذلك وقال اعبرها.
وأجيب: بأنه لم يأذن له ابتداء بل بادر هو بالسؤال أن يأذن له في تعبيرها فأذن له، وقال: أخطأت في مبادرتك للسؤال أن تتولى تعبيرها، لكن في إطلاق الخطأ على ذلك نظر فالظاهر أنه أراد الخطأ في التعبير لا لكونه التمس التعبير.
قال ابن هبيرة: إنما أخطأ لكونه أقسم ليعبرنها بحضرته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولو كان أخطأ في التعبير لم يقرّه عليه وقيل: أخطأ لكونه عبّر السمن والعسل بالقرآن فقط وهما شيئان كان من حقه أن يعبرهما بالقرآن والسنّة لأنها بيان للكتاب المنزّل عليه وبهما تتم الأحكام كتمام اللذة بهما، وقيل وجه الخطأ أن الصواب في التعبير أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الظلة، والسمن والعسل القرآن والسُّنّة، وقيل: يحتمل أن يكون السمن والعسل العلم والعمل وقيل الفهم والحفظ.