عند الشيء القدّر يراه أو يذكره ولا شيء أقذر من الشيطان فأمر بالتفل عند ذكره وكونه ثلاثًا مبالغة في إحسائه (ولا يحدّث بها أحدًا فإنها) أي الرؤيا المكروهة (لن تضره) لأن ما ذكر من التعوّذ وغيره سبب للسلامة من ذلك.
7045 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِى ابْنُ أَبِى حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِىُّ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّهَا مِنَ اللَّهِ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا، وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فَإِنَّمَا هِىَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا وَلاَ يَذْكُرْهَا لأَحَدٍ فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ».
وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي ابن عمر بن حمزة بن مصعب بن الزبير بن العوّام أبو إسحاق القرشي الأسدي الزبيري المدني قال: (حدّثني) بالإفراد (ابن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار (والدراوردي) عبد العزيز بن محمد (عن يزيد) من الزيادة ولأبي ذر عن المستملي زيادة ابن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي بالمثلثة (عن عبد الله بن خباب) بفتح المعجمة وتشديد الموحدة الأولى (عن أبي سعيد الخدري) بالدال المهملة -رضي الله عنه- (أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنها من الله فليحمد الله عليها) على الرؤيا، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عليه أي على المرئي (وليحدث بها) أي من يحبه (وإذا رأى غير ذلك مما يكره) بفتح التحتية وسكون الكاف (فإنما هي من الشيطان) أي من طبعه وعلى وفق رضاه (فليستعذ) أي بالله (من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لن تضره) نصب بلن، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لا تضره.
قال الداودي: يريد ما كان من الشيطان وأما ما كان من خير أو شر فهو واقع لا محالة كرؤيا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البقر والسيف. قال: وقوله ولا يذكرها لأحد يدل على أنها إن ذكرت فربما أضرت.
فإن قلت: قد مرّ أن الرؤيا قد تكون منذرة ومنبهة للمرء على استعداد البلاء قبل وقوعه رفقًا من الله بعباده لئلا يقع على غرة فإذا وقع على مقدمة وتوطين كان أقوى للنفس وأبعد لها من أذى البغتة فما وجه كتمانها؟ أجيب: بأنه إذا أخبر بالرؤيا المكروهة يسوء حاله لأنه لم يأمن من أن تفسر له بالمكروه فيستعجل الهم ويتعذب بها ويترقب وقوع المكروه فيسوء حاله ويغلب عليه اليأس من الخلاص من شرها ويجعل ذلك نصب عينيه، وقد كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- داواه من هذا البلاء الذي عجله لنفسه بما أمره به من كتمانها والتعوذ بالله من شرها وإذا لم تفسر له بالمكروه بقي بين الطمع والرجاء فلا يجزع لأنها من قبل الشيطان أو لأن لها تأويلاً آخر محبوبًا فأراد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن لا تتعذب أمته بانتظارهم خروجها بالمكروه، فلو أخبر بذلك كله دهره دائمًا من الاهتمام بما لا يؤذيه أكثره وهذه حكمة بالغة فجزاه الله عنا ما هو أهله.
والحديث سبق في باب الرؤيا من الله.
(باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب) في العبارة إذ المدار على إصابة الصواب فحديث الرؤيا لأول عابر المروي عن أنس مرفوعًا معناه إذا كان العابر الأول عالمًا فعبر وأصاب وجه التعبير، وإلا فهي لمن أصاب بعده، لكن يعارضه حديث أبي رزين أن الرؤيا إذا عبرت وقعت إلا أن يدعى تخصيص عبرت بأن يكون عابرها عالمًا مصيبًا ويعكر عليه قوله في الرؤيا المكروهة ولا يحدث بها أحد فقيل في حكمة النهي أنه ربما فسرها تفسيرًا مكروهًا على ظاهرها مع احتمال أن تكون محبوبة في الباطن فتقع على ما فسر. وأجيب: باحتمال أن تكون تتعلق بالرائي فله إذا قصها على أحد ففسرها له على المكروه أنه يبادر غيره ممن يصيب فيسأله فإن قصر الرائي فلم يسأل الثاني وقعت على ما فسر الأول.
7046 - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَجُلاً أَتَى
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنِّى رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِى الْمَنَامِ ظُلَّةً تَنْطِفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ فَأَرَى النَّاسَ يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا، فَالْمُسْتَكْثِرُ وَالْمُسْتَقِلُّ وَإِذَا سَبَبٌ وَاصِلٌ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، فَأَرَاكَ أَخَذْتَ بِهِ فَعَلَوْتَ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلاَ بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلاَ بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَانْقَطَعَ ثُمَّ وُصِلَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِى أَنْتَ وَاللَّهِ لَتَدَعَنِّى فَأَعْبُرَهَا فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اعْبُرْ» قَالَ: أَمَّا الظُّلَّةُ فَالإِسْلاَمُ، وَأَمَّا الَّذِى يَنْطِفُ مِنَ الْعَسَلِ وَالسَّمْنِ فَالْقُرْآنُ حَلاَوَتُهُ تَنْطُفُ، فَالْمُسْتَكْثِرُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْمُسْتَقِلُّ وَأَمَّا السَّبَبُ الْوَاصِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ فَالْحَقُّ الَّذِى أَنْتَ عَلَيْهِ تَأْخُذُ بِهِ، فَيُعْلِيكَ اللَّهُ ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ رَجُلٌ آخَرُ فَيَعْلُو بِهِ ثُمَّ يَأْخُذُهُ رَجُلٌ آخَرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ، ثُمَّ يُوَصَّلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ فَأَخْبِرْنِى يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِى أَنْتَ أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ؟ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا» قَالَ: فَوَاللَّهِ لَتُحَدِّثَنِّى بِالَّذِى أَخْطَأْتُ قَالَ: «لاَ تُقْسِمْ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي مولاهم المصري بالميم ونسبه لجده قال: (حدّثنا الليث) بن سعد المصري (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بالتصغير (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (أن ابن عباس -رضي الله عنهما- كان يحدث أن رجلاً) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه (أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي مسلم من طريق سليمان بن كثير عن الزهري أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان مما يقول لأصحابه: "من رأى منكم رؤيا فليقصها أعبرها" فجاء رجل وعنده أيضًا من رواية سفيان بن عيينة: جاء رجل إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ