(ولكني أردت أن يكون لي عند القوم) مشركي مكة (يد) منة (يدفع بها) بضم التحتية وفي نسخة يدفع الله بها (عن أهلي ومالي وليس من أصحابك أحد إلا له هنالك) أي بمكة، ولأبي ذر عن الكشميهني: هناك بإسقاط اللام (من قومه من يدفع الله به عن أهله وماله قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (صدق) حاطب ويحتمل أن يكون عرف صدقه بما ذكره أو بوحي (لا) ولأبي ذر ولا (تقولوا له إلا خيرًا قال) عليّ (فعاد عمر) إلى قوله الأول في حاطب (فقال: يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين دعني) ولأبي ذر عن الكشميهني فدعني (فلأضرب عنقه) بكسر اللام والنصب.
قال في الكواكب وهو في تأويل مصدر محذوف وهو خبر مبتدأ محذوف أي اتركني لأضرب عنقه فتركك لي من أجل الضرب ويجوز سكون الباء والفاء زائدة على رأي الأخفش واللام للأمر ويجوز فتحها على لغة سليم وتسكينها مع الفاء على لغة قريش وأمر المتكلم نفسه باللام فصيح قليل الاستعمال ذكره ابن مالك في قوموا فلأصل لكم وبالرفع أي فوالله لأضرب، واستشكل قول عمر ثانيًا دعني أضرب عنقه بعد قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (صدق ولا تقولوا له إلا خيرًا) وأجيب: بأن عمر ظن أن صدقه في عذره لا يدفع عنه ما وجب عليه من القتل.
(قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أوليس من أهل بدر) استفهام تقريري وزاد الحارث عند أبي يعلى فقال عمر: بلى ولكنه نكث وظاهر أعداءك عليك فقال عليه الصلاة والسلام (وما يدريك) يا عمر (لعل الله اطلع عليهم) على أهل بدر (فقال اعملوا ما شئتم) في المستقبل (فقد أوجبت لكم الجنة) وفي غزوة الفتح فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم أي إن ذنوبهم تقع مغفورة حتى لو تركوا فرضًا مثلاً لم يؤاخذوا بذلك، ويؤيده حديث سهل بن الحنظلية في قصة الذي حرس ليلة حنين فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هل نزلت الليلة؟ قال: لا إلا لقضاء حاجة قال: لا عليك أن لا تعمل بعدها والمتفق عليه أن أهل بدر مغفور لهم فيما يتعلق بالآخرة أما الحدود في الدنيا فلا فلقد جلد مسطحًا في
قصة الإفك (فاغرورقت عيناه) بالغين المعجمة الساكنة والراءين بينهما واو ساكنة ثم قاف افعوعلت من الغرق أي امتلأت عينا عمر من الدموع حتى كأنها غرقت (فقال) عمر -رضي الله عنه- (الله ورسوله أعلم).
(قال أبو عبد الله) البخاري (خاخ) بالمعجمتين (أصح، ولكن كذا قال أبو عوانة) الوضاح (حاج) بالحاء المهملة ثم الجيم (وحاج) بالمهملة والجيم (تصحيف وهو موضع) بين مكة والمدينة (وهيثم) بفتح الهاء وبعد التحتية الساكنة مثلثة كذا في الفرع ولعله سبق قلم والذي في اليونينية ووقفت عليه من الأصول المعتمدة وهشيم بضم الهاء وفتح الشين المعجمة مصغرًا ابن بشير الواسطي في روايته عن أبي حصين مما وصله في الجهاد (يقول خاخ) بالمعجمتين وقوله قال أبو عبد الله ثابت في رواية المستملي.
بسم الله الرحمن الرحيم
(كتاب الإكراه) بكسر الهمزة وسكون الكاف وهو إلزام الغير بما لا يريده.
وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 106] وَقَالَ: {إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28]
وَهْىَ تَقِيَّةٌ وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِى أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الأَرْضِ} [النساء: 97] إِلَى قَوْلِهِ: {وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء: 75] فَعَذَرَ اللَّهُ الْمُسْتَضْعَفِينَ الَّذِينَ لاَ يَمْتَنِعُونَ مِنْ تَرْكِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَالْمُكْرَهُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ مُسْتَضْعَفًا غَيْرَ مُمْتَنِعٍ مِنْ فِعْلِ مَا أُمِرَ بِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: التَّقِيَّةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِيمَنْ يُكْرِهُهُ اللُّصُوصُ فَيُطَلِّقُ لَيْسَ بِشَىْءٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَالشَّعْبِىُّ وَالْحَسَنُ وَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ».
(وقول الله تعالى) في سورة النحل وقول بالجر عطفًا على سابقه وسقطت الواو لغير أبي ذر مع الرفع على الاستئناف ({إلا من أكره}) استثناء ممن كفر بلسانه في قوله من كفر بالله من بعد إيمانه ووافق المشركين بلفظه مكرهًا لما ناله من الضرب والأذى ({وقلبه مطمئن}) ساكن ({بالإيمان}) بالله ورسوله. وقال ابن جرير عن عبد الكريم الجزري عن أبي عبيدة محمد بن عمار بن ياسر قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فعذبوه حتى قاربهم في بعض ما أرادوا فشكا ذلك إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (كيف تجد قلبك) قال مطمئنًّا بالإيمان قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إن عادوا فعد).
ورواه البيهقي بأبسط من هذا وفيه أنه سب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذكر آلهتهم بخير وأنه قال: يا رسول الله ما تركت حتى سببتك وذكرت آلهتهم بخير قال: (كيف تجد قلبك)؟ قال: مطمئنًّا بالإيمان قال: (إن عادوا فعد). وفي ذلك أنزل الله {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}