(فإذا نحن به) عندها (يتشحط في الدم فخرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من بيته أو من مسجده إليهم (فقال) لهم: (بمن تظنون أو ترون) بفتح الفوقية أو بضمها وهو بمعنى تظنون والشك من الراوي ولأبي ذر أو من ترون (قتله قالوا: نرى) بفتح النون أو بضمها أي نظن (أن اليهود قتلته) بتاء التأنيث. قال العيني: كذا في رواية المستملي وفي رواية غيره قتله بدونها بلفظ الماضي. قال: وقوله في فتح الباري وفي رواية المستملي قتلته بصيغة المسند إلى الجمع المستفاد من لفظ اليهود لأن المراد قتلوه غلط فاحش لأنه مفرد مؤنث ولا يصح أن نقول قتلته بالنون بعد اللام لأنه صيغة جمع المؤنث (فأرسل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلى اليهود فدعاهم فقال) لهم مستفهمًا: (آنتم) بمدّ الهمزة (قتلتم هذا؟ قالوا: لا. قال) عليه الصلاة والسلام للمدعين: (أترضون نفل) بفتح النون والفاء مصححًا عليها في الفرع كأصله وقال في الفتح بسكونها. وقال الكرماني بالفتح والسكون الحلف وأصله النفي وسمي اليمين في القسامة نفلاً لأن القصاص ينفي بها أي أترضون بحلف (خمسين) رجلاً (من اليهود) إنهم (ما قتلوه فقالوا) إنهم (ما يبالون أن يقتلونا أجمعين ثم ينتفلون) بفتح التحتية وسكون النون وفتح الفوقية وكسر الفاء وفي نسخة ينفلون بضم التحتية ولأبي ذر والأصيلي ينفلون بضم التحتية وفتح النون وتشديد الفاء مكسورة أي يحلفون (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للمدعين (أفتستحقون الدّية) بهمزة الاستفهام (بأيمان خمسين منكم) بالإضافة (قالوا: ما كنا لنحلف) بالنصب أي لأن نحلف (فوداه) النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (من عنده) وفي رواية سعيد بن عبيد فوداه مائة من إبل الصدقة وسبق أنه جمع بينهما باحتمال أن يكون اشتراها من إبل الصدقة بمال دفعه من عنده.
وفى الحديث أن اليمين توجه أولاً على المدعى عليه لا على المدعي كما في قصة النفر الأنصاريين، واستدلّ بإطلاق قوله خمسين منكم على أن من يحلف في القسامة لا يشترط أن يكون رجلاً ولا بالغًا، وبه قال أحمد. وقال مالك: لا تدخل النساء في القسامة، وقال إمامنا الشافعي:
لا يحلف في القسامة إلا الوارث البالغ لأنها يمين في دعوى حكمية فكانت كسائر الإيمان ولا فرق في ذلك بين الرجال والنساء، وقد نبه ابن المنير في الحاشية على النكتة في كون البخاري لم يورد في هذا الباب الطريق الدالة على تحليف المدعي وهي مما تخالف فيه القسامة بقية الحقوق، وقال مذهب البخاري: تضعيف القسامة فلهذا صدر الباب بالأحاديث الدالة على أن اليمين في جانب المدعى عليه، وأورد طريق سعيد بن عبيد وهو جار على القواعد وإلزام المدعى عليه البيّنة ليس من خصوص القسامة في شيء ثم ذكر حديث القسامة الدال على خروجها عن القواعد بطريق العرض في كتاب الموادعة والجزية فرارًا من أن يذكرها هنا فيغلط المستدل بها على اعتقاد البخاري. قال الحافظ ابن حجر بعد أن نقل ذلك: والذي يظهر لي أن البخاري لا يضعف القسامة من حيث هي بل يوافق الشافعي في أنه لا قول فيها ويخالفه في أن الذي يحلف فيها هو المدعي بل يرى أن الروايات اختلفت في ذلك في قصة الأنصار ويهود خيبر فيرد المختلف إلى المتفق عليه من أن اليمين على المدعى عليه فمن ثم أورد رواية سعيد بن عبيد في باب القسامة وطريق يحيى بن سعيد في باب آخر وليس في شيء من ذلك تضعيف أصل القسامة. وقال القرطبي الأصل في الدعاوى أن اليمين على المدعى عليه وحكم القسامة أصل بنفسه لتعذر إقامة البيّنة على القتل فيها غالبًا فإن القاصد للقتل يقصد الخلوة ويترصد الغفلة وتأيدت بذلك الرواية الصحيحة المتفق عليها وبقي ما عدا القسامة على الأصل ثم ليس ذلك خروجًا عن الأصل بالكلية بل لأن المدعى عليه إنما كان القول قوله لقوّة جانبه بشهادة الأصل له بالبراءة مما ادعى عليه وهو موجود في القسامة في جانب المدعي لقوّة جانبه باللوث الذي يقوي دعواه. قال أبو قلابة بالسند.
(قلت: وقد كانت هذيل) بالذال المعجمة القبيلة المشهورة المنسوبة