لا نورث مخصوص ببعض ما يخلفه، وأما مخاصمتها فلم تكن في الميراث بل طلبا أن تقسم بينهما ليستقل كل منهما بالتصرف فيما يصير إليه فمنعهما عمر لأن القسمة إنما تقع في الاملاك، وربما تطاول الزمان فيظن أنه ملكهما قاله الكرماني، وسبق مزيد لذلك في فرض الخمس.
6729 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَقْتَسِمُ وَرَثَتِى دِينَارًا مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِى وَمُؤْنَةِ عَامِلِى فَهْوَ صَدَقَةٌ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لا يقتسم) بتحتية ثم فوقية مفتوحتين بينهما قاف ساكنة ولأبي ذر عن الكشميهني لا يقسم بإسقاط الفوقية (ورثتي دينارًا) ولا غيره وميم يقتسم على الروايتين رفع خبر أي ليس يقسم ورواه بعضهم بالجزم كأنه نهاهم أن خلف شيئًا لا يقسم بعده فلا تعارض بين هذا وبين ما تقدم في الوصايا من حديث عمرو بن الحارث الخزاعي ما ترك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دينارًا ولا درهمًا ويحتمل أن يكون الخبر بمعنى النهي فيتحد معنى الروايتين ويستفاد من غيرهما لا يقسم أيضًا بطريق الإرث بل تقسم منافعه لمن ذكر وقوله: ورثتي أي بالقوّة أي لو كنت ممن يورث، أو المراد لا يقسم مال تركه لجهة الإرث فأتى بلفظ ورثتي ليكون الحكم معللاً بما به الاشتقاق وهو الإرث فالمنفي اقتسامهم بالإرث عنه قاله الشيخ تقي الدين السبكي (ما تركت بعد نفقة نسائي) قال السبكي: ويدخل فيه كسوتهن وسائر اللوازم أي كالمساكن (ومؤونة عاملي) على الصدقات أو الخليفة بعدي أو الناظر في الصدقات أو حافر قبره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فهو) أي المتروك بعدما ذكر (صدقة) والصدقة لا تحل لآله.
فإن قلت: ما وجه تخصيص النساء بالنفقة والمؤونة بالعمال وهل بينهما فرق؟ أجاب الشيخ تقي الدين السبكي كما في الفتح: بأن المؤونة في اللغة القيام بالكفاية والإنفاق بذل القوت قال: وهذا يقتضي أن النفقة دون المؤونة والسرّ في التخصيص المذكور الإشارة إلى أن أزواجه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما
اخترن الله ورسوله والدار الآخرة كان لا بدّ لهن من القوت فاقتصر على ما يدل عليه والعامل لما كان في صورة الأجير فيحتاج إلى ما يكفيه اقتصر على ما يدل عليه اهـ ملخصًا.
والحديث سبق في الوصايا والخمس.
6730 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ تُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرَدْنَ أَنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ إِلَى أَبِى بَكْرٍ يَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَلَيْسَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) إمام الأئمة (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أردن أن يبعثن عثمان) بن عفان (إلى أبي بكر) -رضي الله عنه- (يسألنه ميراثهن) أي من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقالت عائشة: أليس قال) ولأبي ذر قد قال: (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا نورث ما تركنا صدقة) بالرفع كما مرّ، وقيل إن الحكمة في كونه لا يورث حسم المادة في تمني الوارث موت المورث من أجل المال، وقيل لكون النبي كالأب لأمته فيكون ميراثه للجميع وهو معنى الصدقة العامة.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في المغازي وأبو داود في الخراج والنسائي في الفرائض.
(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من ترك مالاً فلأهله).
6731 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَعَلَيْنَا قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ».
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (حدثني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرَّحمن بن عوف (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم) أي أحق بهم في كل شيء من أمور الدين والدنيا وحكمه أنفذ عليهم من حكمها (فمن مات) منهم (وعليه دين) الواو للحال (ولم يترك) له (وفاء) أي ما يفي بدينه (فعلينا قضاؤه). وهل هذا من خصائصه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-