والسلام (فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينًا قال: لا، قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له (أجلس فجلس فأتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعرق) بفتح العين المهملة والراء (فيه تمر والعرق المكتل الضخم) بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الفوقية يسع خمسة عشر صافعا (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له (خذ هذا) العرق بتمره (فتصدق به) بالتمر (قال) أتصدق به (على) شخص (أفقر منا) ولأبي ذر مني (فضحك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى بدت) ظهرت (نواجذه) بالذال المعجمة آخر الأسنان أو هي الأضراس تعجبًا من حاله ثم (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (اطعمه عيالك).
وفي الحديث أن كفارة الوقاع مرتبة إعتاق ثم صوم ثم إطعام وتجب نيتها بأن ينوي الإعتاق، وكذا باقيها عن الكفارة لتتميز عن غيرها كنذر فلا يكفي الإعتاق الواجب عليه مثلاً وإن
لم يكن عليه غيرها، ومراد البخاري كما قال ابن المنير التنبيه على أن الكفارة إنما تجب بالحنث كما أن كفارة المواقع في نهار رمضان إنما كانت باقتحام الذنب، وأشار إلى أن الفقير لا يسقط عنه إيجاب الكفارة لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علم فقره وأعطاه مع ذلك ما يكفر به كما لو أعطى الفقير ما يقضي به دينه قال: ولعله كما نبه على احتجاج الكوفيين بالفدية نبه هنا على ما احتج به من خالفهم من إلحاقها بكفارة المواقع وأنها مدّ لكل مسكين. اهـ.
ومذهب الشافعي أن له تقديم الكفارة بلا صوم على أحد سببيها لأنه حق مالي تعلق بسببين فجاز تقديمها على أحدهما كالزكاة فتقدم على الحنث ولو كان حرامًا كالحنث بترك واجب أو فعل حرام وعلى عود في ظهار كأن ظاهر من رجعية ثم كفر ثم راجعها وكأن طلق رجعيًّا عقب ظهاره ثم كفر ثم راجع، وأما الصوم فلا يقدم لأنه عبادة بدنية فلا تقدم على وقت وجوبها بغير حاجة كصوم رمضان.
والحديث سبق في الصوم.
(باب من أعان المعسر في الكفارة) الواجبة عليه.
6710 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: هَلَكْتُ فَقَالَ: «وَمَا ذَاكَ»؟ قَالَ: وَقَعْتُ بِأَهْلِى فِى رَمَضَانَ قَالَ: «تَجِدُ رَقَبَةً»؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: «هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ»؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا»؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِعَرَقٍ، وَالْعَرَقُ: الْمِكْتَلُ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ: «اذْهَبْ بِهَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ» قَالَ: عَلَى أَحْوَجَ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا، ثُمَّ قَالَ: «اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن محبوب) البصري قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي قال: (حدّثنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن حميد بن عبد الرَّحمن) بن عوف (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: جاء رجل) اسمه كما سبق سلمة بن صخر أو هو سلمان بن صخر أو هما واقعتان سبق ذلك في الصيام (إلى رسول الله) ولأبي ذر إلى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: هلكت) وفي بعض الطرق أهلكت (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له:
(وما ذاك)؟ الذي أهلكك (قال: وقعت بأهلي) جامعت امرأتي (في) نهار (رمضان. قال) عليه الصلاة والسلام: (تجد رقبة) تعتقها استفهام محذوف الأداة والمراد الوجود الشرعي فيدخل فيه القدرة بالشراء (قال: لا) أجد (قال هل) ولأبي ذر فهل (تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟
قال: لا) وعند البزار من رواية إسحاق وهل لقيت ما لقيت إلا من الصوم (قال: فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينًا؟ قال: لا) وهل هذه الخصال على الترتيب أو التخيير؟ قال البيضاوي: رتب الثاني بالفاء على فقد الأول ثم الثالث بالفاء على فقد الثاني فدلّ على عدم التخيير مع كونها في معرض البيان وجواب السؤال فتنزل منزلة الشرط وقال مالك: بالتخيير (قال: فجاء رجل من الأنصار) لم أقف على اسمه (بعرق والعرق) بفتح العين المهملة والراء آخره قاف (المكتل) بكسر الميم وفتح الفوقية بينهما كاف ساكنة (فيه تمر فقال) عليه الصلاة والسلام له (اذهب بهذا) التمر (فتصدق به قال) ولأبي ذر عن الكشميهني فقال (على) ولأبي ذر أعلى أي أتصدق به على أحد (أحوج منا يا رسول الله، والذي بعثك بالحق ما بين لابتها أهل بيت أحوج منا) ولابتيها بغير همز تثنية لابة يريد الحرتين أرضًا ذات حجارة سود والمدينة بينهما وزاد في الرواية السابقة قريبًا فضحك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى بدت نواجذه (ثم قال: اذهب فأطعمه أهلك) بقطع همزة فأطعمه أي أطعم ما في المكتل من التمر من تلزمك نفقته أو زوجك أو مطلق أقاربك.