(إنما الأعمال بالنية) بالإفراد وأفردها لأن المصدر المفرد يقوم مقام الجمع، وإنما يجمع لاختلاف الأنواع وأصلها نوية فقلبت الواو ياء ثم أدغمت في الياء بعدها وجملة إنما في محل مفعول بالقول وجملة سمعت مثلها ليقول وسمع من الأفعال الصوتية إن تعلق بالأصوات تعدى إلى مفعول واحد وإن تعلق بالذوات تعدى إلى اثنين. الثاني: جملة مصدرة بفعل مضارع من الأفعال الصوتية هذا اختيار الفارسي ومن وافقه، واختار ابن مالك ومن وافقه أن تكون الجملة الفعلية في محل حال إن كان المتقدم معرفة كما وقع هنا أو صفة إن كان المتقدم نكرة قالوا: ولا يجوز سمعت زيدًا يضرب أخاك وإن تعدى إلى ذات لعدم المسموع نعم قد يجوز بتقدير سمعت صوت ضرب زيد وقد الممت بشيء من هذا المبحث أوّل الكتاب وذكرته هنا لبعد العهد به والألف واللام في الأعمال للعهد أي العبادات المفتقرة إلى نيّة فيخرج من ذلك نحو إزالة النجاسة والتروكات كلها والأعمال مبتدأ بتقدير مضاف أي إنما صحة الأعمال والخبر والاستقرار الذي يتعلق به حرف الجرّ والباء في بالنية للتسبب أي إنما الأعمال ثابت ثوابها بسبب النيات، ويحتمل أن تكون للإلصاق لأن كل عمل تلتصق به نيته (وإنما لامرئ) رجل أو امرأة (ما نوى) وفي رواية لكل امرئ، وما موصولة بمعنى الذي وجملة نوى صلة لا محل لها والعائد ضمير مفعول محذوف تقديره ما نواه وإنما حذف لأنه ضمير منصوب متصل بالفعل ليس في الصلة ضمير غيره، ويجوز أن تكون ما موصوفة فيكون التقدير وإنما لامرئ جزاء شيء نواه فترجع الصلة صفة والعائد على حاله، ويجوز أن تكون مصدرية حرفًا على المختار فلا تحتاج إلى عائد على الصحيح والتقدير لكل امرئ جزاء نيته والفاعل المقدر في نوى ضمير مرفوع متصل مستتر تقديره لكل امرئ الذي نواه هو.
(فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله) ولأبي ذر: وإلى رسوله من شرطية موضعها رفع بالابتداء وبنيت لتضمنها معنى حرف الشرط وخبرها في فعلها وقيل في جوابها وقيل حيث كان الضمير العائد وقيل في فعلها وجوابها معًا وكان ناقصة اسمها هجرته أي في تبين أو ظهر في الوجود أن هجرته لله وإلى لانتهاء الغاية أي إلى رضا الله ورسوله (فهجرته إلى الله ورسوله) ولأبي ذر وإلى رسوله الفاء سببية وهي جواب الشرط وجواب الشرط إذا كان جملة اسمية فلا بد من الفاء أو إذا كقوله تعالى {وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون} [الروم: 36] وقاعدة
الشرط وجوابه اختلافهما فيكون الجزاء غير الشرط نحو من أطاع أثيب ومن عصى عوقب ووقع هنا جملة الشرط هي جملة الجزاء بعينها فهي بمثابة قولك من أكل أكل ومن شرب شرب وذلك غير مفيد لأنه من تحصيل الحاصل. وأجيب: بأنه وإن اتحدا في اللفظ لم يتحدا في المعنى، والتقدير فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله قصدًا فهجرته إلى الله ورسوله ثوابًا وأجرًا قال ابن مالك من ذلك قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث حذيفة ولو مت مت على غير الفطرة وجاز ذلك لتوقف الفائدة على الفضلة ومنه قوله تعالى {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم} [الإسراء: 7] فلولا قوله في الأوّل على غير الفطرة وفي الثاني لأنفسكم ما صح ولم يكن في الكلام فائدة.
(ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) فهجرته جواب الشرط ولم يقل فهجرته إلى دنيا كما قال في الشرط والجزاء الأوّل إشارة إلى تحقير الدنيا. قال في الفتح: ومناسبة ذكر الحديث هنا أن اليمين من جملة الأعمال فيستدل به على تخصيص الألفاظ بالنية زمانًا ومكانًا وإن لم يكن في اللفظ ما يقتضي ذلك فمن حلف أن لا يدخل دار زيد في شهر أو سنة مثلاً أو حلف أن لا يكلم زيدًا مثلاً، وأراد في منزله دون غيره فلا يحنث إذا دخل بعد شهر أو سنة في الأولى ولا إذا كلمه في دار أخرى في الثانية ولو أحلفه الحاكم على حق ادّعى عليه به انعقدت يمينه على ما نواه الحاكم ولا تنفعه التورية اتفاقًا فإن حلف بغير استحلاف حاكم نفعته التورية لكنه إن