وسكون النون بعدها كافٍ وهو على فرسخين من سمرقند بلغه أنه قد وقع بينهم بسببه فتنة فقوم يريدون دخوله وآخرون يكرهونه، وكان له أقرباء بها فنزل عندهم حتى ينجلي الأمر، فأقام أيامًا فمرض حتى وجّه إليه رسول من أهل سمرقند يلتمسون خروجه إليهم، فأجاب وتهيأ للركوب ولبس خفيه وتعمّم فلما مشى قدر عشرين خطوة أو نحوها إلى الدابّة ليركبها قال: أرسلوني فقد ضعفت، فأرسلوه فدعا بدعوات ثم اضطجع فقضى.

فسال عرق كثير لا يوصف وما سكن منه العرق حتى أدرج في أكفانه. وروي أنه ضجر ليلة فدعا بعد أن فرغ من صلاة الليل اللهمّ قد ضاقت عليّ الأرض بما رحبت فاقبضني إليك فمات في ذلك الشهر ليلة السبت ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين ومائتين عن اثنتين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يومًا، وكان أوصى أن يكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة ففعل به ذلك، ولما صليّ عليه ووضع في حفرته فاح من تراب قبره رائحة طيبة كالمسك ودامت أيامًا، وجعل الناس يختلفون إلى قبره مدة يأخذون منه. وقال عبد الواحد بن آدم الطواويسي: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومعه جماعة من أصحابه وهو واقف في موضع فسلمت عليه فردّ عليّ السلام فقلت: ما وقوفك هنا يا رسول الله؟ قال أنتظر محمد بن إسماعيل، قال فلما كان بعد أيام بلغني موته فنظرت فإذا هو في الساعة التي رأيت فيها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولما ظهر أمره بعد وفاته خرج بعض مخالفيه إلى قبره وأظهروا التوبة والندامة. وقال أبو عليّ الحافظ: أخبرنا أبو الفتح نصر بن الحسن السمرقندي قدم علينا بلنسية عام أربعة وستين وأربعمائة، قال: قحط المطر عندنا بسمرقند في بعض الأعوام فاستسقى الناس مرارًا فلم يسقوا، فأتى رجل صالح معروف بالصلاح إلى قاضي سمرقند وقال له إني قد رأيت رأيًا أعرضه

عليك قال وما هو؟ قال أرى أن تخرج ويخرج الناس معك إلى قبر الإمام محمد بن إسماعيل البخاري وتستسقي عنده فعسى الله أن يسقينا، فقال القاضي نعم ما رأيت فخرج القاضي ومعه الناس واستسقى بهم وبكى الناس عند القبر وتشفعوا بصاحبه، فأرسل الله تعالى السماء بماء عظيم غزير أقام الناس من أجله بخرتنك سبعة أيام أو نحوها لا يستطيع أحد الوصول إلى سمرقند من كثرة المطر وغزارته، وبين سمرقند وخرتنك ثلاثة أيام. وبالجملة فمناقب أبي عبد الله البخاري كثيرة ومحاسنه شهيرة وفيما ذكرته كفاية ومقنع وبلاغ.

(تنبيه وإرشاد): روينا عن الفربري أنه قال سمع صحيح البخاري من مؤلفه تسعون ألف رجل فما بقي أحد يرويه عنه غيري. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى أطلق ذلك بناء على ما في علمه وقد تأخر بعده بتسع سنين أبو طلحة منصور بن محمد بن علي بن قرينة بقاف ونون بوزن كبيرة البزدويّ بفتح الموحدة وسكون الزاي وكانت وفاته سنة تسع وعشرين وثلثمائة وهو آخر من حدّث عن البخاري بصحيحه كما جزم به آبو نصر بن ماكولا وغيره، وقد عاش بعده ممن سمع من البخاري القاضي الحسين بن إسماعيل المحاملي ببغداد، ولكن لم يكن عنده الجامع الصحيح، وإنما سمع منه مجالس أملاها ببغداد في آخر قدمة قدمها البخاري، وقد غلط من روى الصحيح من طريق المحامليّ المذكور غلطًا فاحشًا، ومن رواة الجامع الصحيح ممن اتصلت لنا روايته بالإجازة إبراهيم بن معقل النسفيّ الحافظ وفاته منه قطعة من آخره رواها بالإجازة وتوفي سنة أربعين ومائتين. وكذلك حماد بن شاكر النسويّ بالنون المهملة وأظنه توفي في حدود التسعين وله فيه فوت أيضًا. واتصلت لنا روايته من طريق المستملي والسرخسي والكشميهني وأبي عليّ بن السكن الأخسيكن، وأبي زيد المروزي وأبي عليّ بن شبويه وأبي أحمد الجرجاني والكشاني وهو آخر من حدّث عن الفربري بالصحيح، فأما المستملي فرواه عنه الحافظ أبو ذر وعبد الرحمن الهمداني، وأما السرخسي فأبو ذر أيضًا وأبو الحسن الداودي، وأما الكشميهني فأبو ذر أيضًا وأبو سهل الحفصي وكريمة، وأما أبو عليّ بن السكن فإسماعيل بن إسحق بن إسماعيل الصفار، وأما أبو زيد المروزي فأبو نعيم الحافظ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015