لتعينوه على النزول عن الحمار وترفقوا به فلا يصيبه ألم وحذرًا من انفجار عرقه قاله التوربشتي. قال: ولو أراد الإكرام لقال لسيدكم باللام بدل إلى. وأجاب الطيبي بأن إلى في هذا المقام أفخم من اللام كأنه قيل: قوموا واذهبوا إليه تلقيًا وكرامة يدل عليه ترتب الحكم على الوصف المناسب المشعر بالعلية فإن قوله: إلى سيدكم علة للقيام له وليس ذلك إلا لكونه شريفًا كريمًا عليّ القدر اهـ.
نعم في مسند أحمد عن عائشة من طريق علقمة بن وقاص عنها في قصة غزوة بني قريظة وقصة سعد بن معاذ فلما طلع قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "قوموا إلى سيدكم فأنزلوه" وسنده حسن، وهذه الزيادة تخدش في الاستدلال بقصة سعد على مشروعية القيام المتنازع فيه وقد منع قوم القيام تمسكًا بحديث أبي أمامة: خرج علينا النبي متوكئًا على عصا فقمنا له فقال: "لا تقوموا كما تقوم الأعاجم بعضهم لبعض" وأجيب بضعفه واضطراب سنده وفيه من لا يعرف، وفي حديث
عبد الله بن بريدة عن معاوية عند الحاكم: ما من رجل يكون على الناس يقوم على رأسه الرجال يحب أن تكثر عنده الخصوم فيدخل الجنة. وعند أبي داود عن معاوية سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "من أحب أن يتمثل له الرجال قيامًا فليتبوأ مقعده من النار" وسئل مالك عن المرأة تبالغ في إكرام زوجها فتتلقاه وتنزع ثيابه وتقف حتى يجلس فقال: أما التلقي فلا بأس به، وأما القيام حتى يجلس فلا، فإن هذا فعل الجبابرة.
وأجاب الخطابي عن قوله: من أحب أن يقام له أي بأن يلزمهم بالقيام له صفوفًا على طريق الكبر. وقال غيره: إن المنهي عنه أن يقام عليه وهو جالس. وعورض بأن سياق حديث معاوية على خلاف ذلك وإنما يدل على أنه كره القيام له لما خرج تعظيمًا له وبأن هذا لا يقال له القيام للرجل، وإنما هو القيام على رأس الرجل أو عند الرجل. اهـ.
وفي حديث أنس عند الطبراني وقال: إنما هلك من كان قبلكم فإنهم عظموا ملوكهم بأن قاموا وهم قعود، وعن أبي الوليد بن رشد أن القيام يكون على أربعة أوجه: محظور لمن يريد أن يقام له تكبرًا وتعظيمًا على القائمين له، ومكروه لمن لا يتكبر ولا يتعاظم ولكن يخشى أن يدخل نفسه بسبب ذلك ما يحذر ولما فيه من التشبه بالجبابرة، وجائز على سبيل الاحترام والإكرام لمن لا يريد ذلك ويؤمن معه التشبه بالجبابرة، ومندوب لمن قدم من سفره فرحًا بقدومه ليسلم عليه أو إلى من تجددت له نعمة فيهنئه بحصولها أو مصيبة فيعزيه بسببها أو لحاكم في محل ولايته كما دلّ عليه قصة سعد فإنه لما استقدمه النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حاكمًا في بني قريظة فرآه مقبلاً قال: قوموا إلى سيدكم وما ذاك إلا ليكون أنفذ لحكمه، فأما اتخاذه ديدنًا فمن شعار العجم، وقد جاء في السنن أنه لم يكن أحب إليهم من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان إذا جاء لا يقومون له لما يعلمون من كراهيته لذلك والله الموفق.
ومباحث المسألة فيها طول يخرج عن الغرض، ولشيخ الإسلام النووي جزء في ذلك، ولأبي عبد الله بن الحاج في ذلك كلام متين جليل والله يهدينا سواء السبيل، والشك في قوله أو قال خيركم من الراوي.
(فقعد) سعد (عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) له: يا سعد (هؤلاء) أهل قريظة (نزلوا) من حصنهم (على حكمك قال) سعد (فإني أحكم) فيهم (أن تقتل مقاتلتهم) أي الطائفة المقاتلة من الرجال (وتسبى ذراريهم) بالمعجمة التحتية وتخفف جمع ذرية أي النساء والصبيان (فقال) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لقد حكمت) فيهم (بما حكم به الملك) جل وعلا بكسر اللام وهو الله، وروي بفتحها أي بحكم جبريل الذي جاء به من عند الله.
(قال أبو عبد الله) المؤلّف -رحمه الله- (أفهمني بعض أصحابي) قال في فتح الباري: يحتمل أن يكون محمد بن سعد كاتب الواقدي فإنه أخرجه في الطبقات (عن أبي الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ المؤلّف في هذا الحديث بسنده (من قول أبي سعيد) الخدري من أول الحديث