مفسدة هي أكبر من مفسدة النظر، فحديث ابن عباس المروي عند أبي داود بسند ضعيف من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فكما ينظر في النار إنما هو في حق من لم يكن متهمًا على المسلمين، وأما من كان متهمًا فلا حرمة له، والحاصل أنه يخص منه ما يتعين طريقًا إلى دفع المفسدة كما مرّ والحديث مرّ مرارًا.
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (كيف يكتب الكتاب إلى أهل الكتاب) اليهود والنصارى وسقط لفظ الكتاب الأول لأبي ذر.
6260 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِى نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَانُوا تِجَارًا بِالشَّامِ، فَأَتَوْهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ: ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُرِئَ فَإِذَا فِيهِ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ السَّلاَمُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي (أبو الحسن) قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس أخبره أن أبا سفيان) صخر (بن حرب أخبره أن هرقل) لقبه قيصر (أرسل إليه) حال كونه (في) أي مع (نفر من قريش وكانوا تجارًا) بكسر الفوقية وتخفيف الجيم (بالشام فأتوه فذكر الحديث) السابق في أول هذا الجامع وفي مواضع أُخر إلى أن (قال: ثم دعا) هرقل من يأتيه (بكتاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقرئ فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم) أهل (الروم السلام على من اتبع الهدى أما بعد) الحديث إلى آخره وليس المراد منه التحية لأنه لم يسلم فليس هو ممن اتبع الهدى فهو سلام مقيد لا تمسك به لمن أجاز مكاتبة أهل الكتاب بالسلام عند الحاجة، وفيه جواز كتابة البسملة إلى أهل الكتاب وتقديم اسم الكاتب على المكتوب إليه.
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (بمن يبدأ في الكتاب) بضم التحتية وسكون الموحدة وفتح المهملة أي بنفسه أو بالمكتوب إليه.
6261 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه -، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلاً مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ أَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِى سَلَمَةَ: عَنْ أَبِيهِ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «نَجَرَ خَشَبَةً فَجَعَلَ الْمَالَ فِى جَوْفِهَا وَكَتَبَ إِلَيْهِ صَحِيفَةً مِنْ فُلاَنٍ إِلَى فُلاَنٍ».
(وقال الليث) بن سعد الإمام مما وصله المؤلّف في الأدب المفرد (حدثني) بالإفراد (جعفر بن ربيعة) الكندي (عن عبد الرحمن بن هرمز) الأعرج (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه ذكر رجلاً من بني إسرائيل) سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار إلى أجل فقال: ائتني بكفيل قال: الله فأعطاه الألف فلما بلغ الأجل وأراد الخروج إليه وحبسه الريح (أخذ خشبة فنقرها) أي فحفرها (فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه) الذي أقرضه وهو النجاشي كما مرّ في الكفالة (وقال عمر بن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبيه) أنه (سمع أبا هريرة) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عن أبي هريرة يقول: (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(نجر خشبة) بالنون والجيم المفتوحتين والراء ولأبي ذر عن الكشميهني: نقر خشبة بالقاف (فجعل المال) وهو الألف دينار (في جوفها وكتب إليه صحيفة من فلان إلى فلان) فقدم الكاتب اسمه على المكتوب له، ولعل البخاري خصّ سياق هذا الحديث لعدم وجدانه ما هو على شرطه وهو على قاعدته في الاحتجاج بشرع من قبلنا إذ لم ينكر ولا سيما إذا ذكر في مقام المدح لفاعله،
وعند أبي داود من طريق ابن سيرين عن أبي العلاء بن الحضرمي عن العلاء أنه كتب إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فبدأ بنفسه.
(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قوموا إلى سيدكم).
6262 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِى أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ أَنَّ أَهْلَ قُرَيْظَةَ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ فَأَرْسَلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْهِ فَجَاءَ فَقَالَ: «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ -أَوْ قَالَ- خَيْرِكُمْ» فَقَعَدَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «هَؤُلاَءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ قَالَ: «فَإِنِّى أَحْكُمُ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ» فَقَالَ: لَقَدْ حَكَمْتَ بِمَا حَكَمَ بِهِ الْمَلِكُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: أَفْهَمَنِى بَعْضُ أَصْحَابِى عَنْ أَبِى الْوَلِيدِ مِنْ قَوْلِ أَبِى سَعِيدٍ إِلَى حُكْمِكَ.
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري قاضي المدينة (عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف) بضم الحاء المهملة وفتح النون وبعد التحتية الساكنة فاء الأنصاري (عن أبي سعيد) الخدري -رضي الله عنه- (أن أهل قريظة) بضم القاف وفتح الراء وبالظاء المعجمة قبيلة من يهود (نزلوا) من حصنهم بعد أن حاصرهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (على حكم سعد) هو ابن معاذ (فأرسل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليه) وكان وجعًا لما رمي في أكحله (فجاء فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للأنصار خاصة أو لجميع من حضر من المهاجرين معهم:
(قوموا إلى سيدكم أو قال خيركم) توقيرًا وإكرامًا ففيه إكرام أهل الفضل من علم أو صلاح أو شرف بالقيام لهم أو المراد قوموا إليه