فقال: أما حديثك الأوّل فقلت كذا وصوابه كذا، وحديثك الثاني كذا وصوابه كذا، والثالث والرابع على الولاء حتى أتى على تمام العشرة فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك فأقر الناس له بالحفظ وأذعنوا له بالفضل. وقال يوسف بن موسى المروزي: كنت بجامع البصرة فسمعت مناديًا ينادي يا أهل العلم لقد قدم محمد بن إسماعيل البخاري فقاموا في طلبه، وكنت فيهم فرأيت رجلاً شابًّا ليس في لحيته بياض يصلي خلف الأسطوانة فلما فرغ أحدقوا به وسألوه أن يعقد لهم مجلس الإملاء فأجابهم إلى ذلك، فقام المنادي ثانيًا ينادي في جامع البصرة فقال: يا أهل العلم لقد قدم محمد بن إسماعيل البخاري فسألناه بأن يعقد مجلس الإملاء فأجاب بأن يجلس غدًا في موضع كذا، فلما كان من الغد حضر المحدثون والحفاظ والفقهاء والنظار حتى اجتمع قريب من كذا وكذا ألف نفس، فجلس أبو عبد الله للإملاء فقال قبل أن يأخذ في الإملاء: يا أهل البصرة أنا شاب وقد سألتموني أن أحدثكم وسأحدّثكم أحاديث عن أهل بلدتكم تستفيدونها يعني ليست عندكم، فتعجب الناس من قوله، فأخذ في الإملاء فقال: حدّثنا عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي روّاد العتكي بلديكم، قال: حدّثنا أبي عن شعبة عن منصور وغيره عن سالم بن أبي الجعد عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن أعربيًّا جاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله الرجل يحب القوم الحديث. ثم قال: هذا ليس عندكم عن منصور إنما هو عندكم عن غير منصور. قال يوسف بن موسى فأملى مجلسًا على هذا النسق يقول في كل حديث روى فلان هذا الحديث وليس عندم كذا فأما رواية فلان يعني التي يسوقها فليست عندكم.
وقال الحافظ أبو حامد الأعمى كنا عند البخاري بنيسابور فجاء مسلم بن الحجاج فسأله عن حديث عبيد الله بن عمر عن أبي الزبير عن جابر قال: "بعثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سرية ومعنا أبو عبيدة" الحديث بطوله. فقال البخاري: "حدّثنا ابن أبي أويس حدّثني أخي عن سليمان بن بلال عن عبيد الله" فذكر الحديث بتمامه. قال فقرأ عليه إنسان حديث حجاج بن محمد عن ابن جريح عن موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "كفارة المجلس إذا قام العبد أن يقول: سبحانك اللهمّ وبحمدك أشهد أن لا إله إلاّ أنت أستغفرك وأتوب إليك".
فقال له مسلم في الدنيا أحسن من هذا الحديث. ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح يعرف بهذا الإسناد في الدنيا حديثًا. فقال له محمد بن إسماعيل: إلا أنه معلول. فقال مسلم لا إله إلاّ الله وارتعد. أخبرني به، فقال: استر ما ستر الله تعالى، هذا حديث جليل رواه الناس عن
حجاج بن محمد عن ابن جريج فألحّ عليه وقبل رأسه وكاد يبكي. فقال اكتب إن كان ولا بدّ: حدّثنا موسى بن إسماعيل حدّثنا وهيب حدّثنا موسى بن عقبة عن عون بن عبد الله قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كفّارة المجلس. فقال له مسلم: لا يبغضك إلا حاسد وأشهد أن ليس في الدنيا مثلك، وقد روى هذه القصة البيهقي في المدخل عن الحاكم أبي عبد الله على سياق آخر، فقال: سمعت أبا نصر أحمد بن محمد الوراق يقول سمعت أحمد بن حمدون القصار هو أبو حامد الأعمش يقول سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى محمد بن إسماعيل فقبّل بين عينيه وقال دعني حتى أقبّل رجلك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدّثين وطبيب الحديث في علله، حدّثك محمد بن سلام حدّثنا محمد بن مخلد بن يزيد، قال أخبرنا ابن جريج حدّثنا موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في كفّارة المجلس، فقال محمد بن إسماعيل وحدّثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، قالا حدّثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج، حدّثني موسى بن عقبة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "كفّارة المجلس أن يقول إذا قام من مجلسه سبحانك اللهمَّ ربنا وبحمدك" فقال محمد بن إسماعيل هذا حديث مليح ولا أعلم بهذا الإسناد في الدنيا حديثًا غير هذا، إلا أنه معلول. حدّثنا به موسى بن إسماعيل، حدّثنا