أيامي، فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد. قالا: فكان أهل المعرفة يغدون خلفه في طلب الحديث وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه ويجلسوه في بعض الطريق فيجتمع عليه ألوف أكثرهم ممن يكتب عنه وكان شابًّا. وقال محمد بن أبي حاتم: سمعت سليمان بن مجاهد يقول كنت عند محمد بن سلام البيكندي فقال لي: لو

جئت قبل لرأيت صبيًّا يحفظ سبعين ألف حديث. قال فخرجت في طلبه فلقيته فقلت أنت الذي تقول أنا أحفظ سبعين ألف حديث قال: نعم وأكثر ولا أجيبك بحديث عن الصحابة والتابعين إلا من عرفت مولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم، ولست أروي حديثًا من حديث الصحابة والتابعين إلا ولي في ذلك أصل أحفظه حفظًا عن كتاب الله تعالى وسُنَّة رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وقال ابن عدي حدّثني محمد بن أحمد القوسي سمعت محمد بن حمرويه يقول سمعت محمد بن إسماعيل يقول أحفظ مائة ألف حديث صحيح وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح. وقال أخرجت هذا الكتاب يعني الجامع الصحيح من نحو ستمائة ألف حديث، وقال دخلت بلخ فسألوني أن أملي عليهم لكل من كتبت عنه فأمليت ألف حديث عن ألف شيخ، وقال تذكرت يومًا في أصحاب أنس فحضرني في ساعة ثلثمائة نفس، وقال ورّاقه عمل كتابًا في الهبة فيه نحو خمسائة حديث. وقال ليس في كتاب وكيع في الهبة إلاّ حديثان مسندان أو ثلاثة، وفي كتاب ابن المبارك خمسة أو نحوها. وقال أيضًا سمعت البخاري يقول كنت في مجلس الفريابي فسمعته يقول حدثنا سفيان عن أبي عروبة عن أبي الخطاب عن أنس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يطوف على نسائه في غسل واحد، فلم يعرف أحد في المجلس أبا عروبة ولا أبا الخطاب، فقلت أما أبو عروبة فمعمر وأما أبو الخطاب فقتادة. وكان الثوري فعولاً لهذا يكني المشهورين. وقال محمد بن أبي حاتم أيضًا قدم رجاء الحافظ فقال لأبي عبد الله: ما أعددت لقدومي حين بلغك؟ وفي أي شيء نظرت، قال ما أحدثت نظرًا ولا استعددت لذلك فإن أحببت أن تسأل عن شيء فافعل، فجعل يناظره في أشياء فبقي رجاء لا يدري، ثم قال أبو عبد الله هل لك في الزيادة فقال استحياء منه وخجلاً نعم، ثم قال: سل إن شئت فأخذ في أسامي أيوب فعدّ نحوًا من ثلاثة عشر وأبو عبد الله ساكت، فظن رجاء أنه قد صنع شيئًا فقال يا أبا عبد الله فاتك خير كثير، فزيّف أبو عبد الله في أولئك سبعة وأغرب عليه أكثر من ستين رجلاً، ثم قال لرجاء كم رويت في العمامة السوداء؟ قال هات كم رويت أنت، قال يروى من أربعين حديثًا فخجل رجاء ويبس ريقه.

وأما كثرة اطّلاعه على علل الحديث فقد روينا عن مسلم بن الحجاج أنه قال له: دعني أقبّل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله، وقال الترمذي: لم أرَ أحدًا بالعراق ولا بخراسان في معرفة العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من محمد بن إسماعيل، وقال محمد بن أبي حاتم سمعت سليم بن مجاهد يقول سمعت أبا الأزهر يقول: كان بسمرقند أربعمائة ممن يطلبون الحديث فاجتمعوا سبعة أيام وأحبوا مغالطة محمد بن إسماعيل فأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق وإسناد العراق في إسناد الشام وإسناد الحرم في إسناد اليمن فما استطاعوا مع ذلك أن يتعلقوا عليه بسقطة لا في الإسناد ولا في المتن. وقال أحمد بن عدي الحافظ: سمعت عدة من المشايخ يحكون أن البخاري قدم بغداد فاجتمع أصحاب الحديث وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لمتن آخر ودفعوا إلى كل

واحد عشرة أحاديث ليلقوها على البخاري في المجلس امتحانًا فاجتمع الناس من الغرباء من أهل خراسان وغيرهم ومن البغداديين فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب أحدهم فقام وسأله عن حديث من تلك العشرة فقال: لا أعرفه فسأله عن آخر فقال لا أعرفه حتى فرغ العشرة فكان الفقهاء يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون الرجل فهم، ومن كان لا يدري قضى عليه بالعجز ثم انتدب آخر ففعل كفعل الأوّل والبخاري يقول لا أعرفه إلى أن فرغ العشرة أنفس، وهو لا يزيدهم على لا أعرفه فلما علم أنهم فرغوا التفت إلى الأوّل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015