وأتى به هنا للتعجب والاستعظام أي: كيف يخفى مثل هذا الظاهر عليك.
(إن المؤمن) وفي رواية مضبب عليها بفرع اليونينية إن المسلم (لا ينجس) أي في ذاته حيًّا ولا ميتًا، ولذا يغسل إذا مات. نعم يتنجس بما يعتريه من ترك التحفظ من النجاسات والأقذار، وحكم الكافر في ذلك كالمسلم، وأما قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَس} [التوبة: 28] فالمراد بها نجاسة اعتقادهم، أو لأنه يجب أن يتجنب عنهم كما يتجنب عن الإنجاس، أو لأنهم لا يتطهرون ولا يتجنبون عن النجاسات فهم ملابسون لها غالبًا، وعن ابن عباس: إن أعيانهم نجسة كالكلاب، وبه قال ابن حزم، وعورض بحل نكاح الكتابيات للمسلم ولا تسلم مضاجعتهنّ من عرقهنّ، ومع ذلك لم يجب من غسلهن إلا مثل ما يجب من غسل المسلمات، فدل على أن الآدمي لي بنجس العين إذ لا فرق بين الرجال والنساء بل يتنجس بما يعرض له من خارج.
ويأتي البحث إن شاء الله تعالى في الاختلاف في الميت في باب الجنائز، ورواة هذا الحديث الستة بصريون وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي والتحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم في
الطهارة وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في الصلاة.
وَقَالَ عَطَاءٌ: يَحْتَجِمُ الْجُنُبُ وَيُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ.
هذا (باب) بالتنوين (الجنب يخرج) من بيته (ويمشي في السوق وغيره) يجوز له ذلك عند الجمهور خلافًا لما حكاه ابن أبي شيبة عن علي وعائشة وابن عمرو وأبيه وشداد بن أوس وسعيد بن المسيب ومجاهد وابن سيرين والزهري ومحمد بن علي والنخعي. وحكاه البيهقي وزاد سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمرو وابن عباس وعطاء والحسن أنهم كانوا إذا أجنبوا لا يخرجون ولا يأكلون حتى يتوضؤوا والواو في قوله: ويمشي عطفًا على يخرج وفي غيره عطفًا على سابقه أي وفي غير السوق، وجوّز ابن حجر كالكرماني الرفع على أنه مبتدأ أي وغيره نحو أي فينام ويأكل كما يخرج فهو عطف عليه من جهة المعنى، لكن تعقبه البرماوي والعيني بأنه تكلف بلا ضرورة.
(وقال عطاء) مما وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه (يحتجم الجنب ويقلم أظفاره ويحلق
رأسه وإن لم يتوضأ) زاد عبد الرزاق ويطلي بالنورة.
284 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الأعلى بن حماد) وللأصيلي بإسقاط ابن حماد (قال: حدّثنا يزيد بن زريع) بزاي فراء مصغر زرع (قال: حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة وللأصيلي شعبة بدل سعيد قال الغساني وليس صوابًا (عن قتادة) بن دعامة (أن أنس بن مالك) رضي الله عنه (حدّثهم) وفي رواية حدثه.
(أن نبي الله) كذا لكريمة وفي رواية أبي ذر أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله يومئذٍ تسع نسوة) أي وله حينئذٍ إذ لا يوم لذلك معين ولفظة كان تدل على التكرار والاستمرار. وسبق بيان مباحث الحديث في باب إذا جامع ثم عاد، ومطابقته لهذه الترجمة تفهم من قوله: كان يطوف على نسائه لأن نساءه كان لهن حجر متقاربة، فبالضرورة أنه كان يخرج من حجرة إلى حجرة قبل الغسل.
285 - حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى قال: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ بَكْرٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا جُنُبٌ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى قَعَدَ، فَانْسَلَلْتُ
فَأَتَيْتُ الرَّحْلَ فَاغْتَسَلْتُ، ثُمَّ جِئْتُ وَهْوَ قَاعِدٌ فَقَالَ: «أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيرةَ»؟ فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أَبَا هُرَيرةَ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ».
وبه قال: (حدّثنا عياش) بمثناة تحتية مشددة وشين معجمة ابن الوليد الرقام (قال: حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة (قال: حدّثنا حميد) الطويل (عن بكر) المزني (عن أبي رافع) نفيع (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال):
(لقيني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا جنب فأخذ بيدي) وفي بعض الأصول بيميني (فمشيت معه حتى
قعدنا فانسللت) أي خرجت أو ذهبت في خفية، ولابن عساكر فانسللت منه (فأتيت) وفي رواية وأتيت (الرحل) بالحاء المهملة الساكنة أي الذي آوى إليه (فاغتسلت ثم جئت وهو) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قاعد فقال: أين كنت) كان واسمها والخبر الظرف أو هي تامة فلا تحتاج لخبر (يا أبا هريرة)؟ وللكشميهني يا أبا هر بالترخيم. قال أبو هريرة: (فقلت له) الذي فعلته من المجيء للرحل والاغتسال (فقال) عليه الصلاة والسلام متعجبًا منه: (سبحان الله يا أبا هريرة) وفي رواية الأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت يا أبا هر (إن المؤمن) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر سبحان الله إن المؤمن (لا ينجس) بضم الجيم، وقد سبق الكلام على مباحث هذا