الماء موجودًا أو غير ذلك قال أبو حيان رحمه الله: حذف أحد مفعولي رأى وأخواتها عزيز، وقد قيل في قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ} [آل عمران: 180] أي البخل خيرًا لهم، وأما حذفها جميعًا فجائز اختصارًا، ومنه قوله تعالى: {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْب} [النجم: 35] فهو يرى والظاهر أنها هنا بصرية، وينبني على ذلك أن المرأة إذا علمت أنها أنزلت ولم تره أنه لا غسل عليها، ولمسلم من حديث أنس أن أم سليم حدّثت أنها سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعائشة عنده فقالت: يا رسول الله المرأة ترى ما يرى الرجل في النام ومن نفسها ما يرى الرجل من نفسه. فقالت عائشة: يا أم سليم فضحت النساء. وعند ابن أبي شيبة فقال: هل تجد شهوة؟ قالت: لعله قال هل تجد بللاً؟ قالت: لعلّه فقال: فلتغتسل. فلقيتها النسوة فقلن فضحتنا عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: والله ما كنت لأنتهي حتى أعلم في حلٍّ أنا أم في حرام. وهذا يدل على أن كتمان ذلك من عادتهن لأنه يدل على شدة شهوتهن، وإنما أنكرت أم سلمة على أم سليم لكونها واجهت به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، واستدل به ابن بطال على أن كل النساء يحتلمن وعكسه غيره. وقال: فيه دليل على أن بعض النساء لا يحتلمن. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: والظاهر أن مراد ابن بطال الجواز لا الوقوع أي فيهن قابلية ذلك.
ورواة حديث الباب الستة مدنيون إلا شيخ المؤلف، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول وثلاث صحابيات، وأخرجه الستة واتفق الشيخان على إخراجه من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة، وقد جاء عن جماعة من الصحابيات أنهن سألت كسؤال أم سلمة منهن: خولة بنت حكيم كما عند النسائي وأحمد وابن ماجة، وسهلة بنت سهيل كما عند الطبراني، وبسرة بنت صفوان كما عند ابن أبي شيبة.
(باب عرق الجنب وأن المسلم) طاهر (لا ينجس) ولو أجنب ومن لازم طهارته طهارة عرقه، وكذا عرق الكافر عند الجمهور.
283 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرٌ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَهْوَ جُنُبٌ، فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ، فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: كُنْتُ جُنُبًا فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ. فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ». [الحديث 283 - طرفه في: 285].
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (قال: حدّثنا حميد) بضم الحاء الطويل التابعي (قال: حدّثنا بكر) بفتح الموحدة ابن عبد الله بن عمرو بن هلال المزني البصري (عن أبي رافع) نفيع بضم النون وفتح الفاء الصائغ بالغين المعجمة البصري ترحل إليها من المدينة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه.
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقيه في بعض طريق المدينة) بالإفراد ولكريمة في بعض طرق المدينة (وهو جنب) جملة اسمية حالية من الضمير المنصوب في لقيه. قال أبو هريرة: (فانخنست منه) بنون ثم معجمة ثم نون فمهملة أي تأخرت وانقبضت ورجعت، وفي رواية فانخنس، ولابن السكن والأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر: فانبجست بالموحدة والجيم أي اندفعت، وللمستملي فانتجست بنون فمثناة فوقية فجيم من النجاسة من باب الافتعال أي اعتقدت نفسي نجسًا، (فذهب فاغتسل) بلفظ الغيبة من باب النقل عن الراوي بالمعنى، أو من قول أبي هريرة من باب التجريد وهو أنه جرّد من نفسه شخصًا وأخبر عنه وهو المناسب لرواية فانخنس. وفي رواية فذهبت فاغتسلت وهو المناسب لسابقه، وكان سبب ذهاب أبي هريرة ما رواه النسائي وابن حبان من حديث حذيفة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا لقي أحدًا من أصحابه ماسحه ودعا له، فلما ظن أبو هريرة رضي الله عنه أن الجنب ينجس
بالجنابة خشي أن يماسه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كعادته فبادر إلى الاغتسال، (ثم جاء فقال) عليه الصلاة والسلام: (أين كنت يا أبا هريرة؟ قال: كنت جنبًا) أي ذا جنابة لأنه اسم جرى مجرى المصدر وهو الإجناب، (فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة) جملة اسمية حالية من الضمير المرفوع في أجالسك (فقال) بالفاء قبل القاف وسقطت في كلام أبي هريرة على الأفصح في الجمل المفتتحة بالقول كما قيل في قوله تعالى: {أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الشعراء: 10] قوم فرعون ألا يتقون قال وما بعدها، وأما القول مع ضمير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فالفاء سببية رابطة فاجتلبت لذلك ولأبي ذر وابن عساكر والأصيلي قال: (سبحان الله) نصب بفعل لازم الحذف