الكثيرة لم يكد يقف عن الجزم بأنه أفضل من التخلي بخلاف ما إذا عارضه خوف جور إذ الكلام ليس فيه بل في الاعتدال مع أداء الفرائض والسُّنن، وذكرنا أنه إذا لم تقترن
به نيّة كان مباحًا لأن المقصود منه حينئذ مجرّد قضاء الشهوة ومبنى العبادة على خلافه ثم قال: وأقول بل فيه فضل من جهة أنه كان متمكّنًا من قضائها بغير الطريق المشروع فالعدول إليه مع ما يعلمه من أنه قد يستلزم أثقالًا فيه قصد ترك المعصية وعليه يُثاب انتهى.
5064 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ سَمِعَ حَسَّانَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ لاَ تَعُولُوا} قَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي، الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا، فَيَرْغَبُ فِي مَالِهَا وَجَمَالِهَا يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِأَدْنَى مِنْ سُنَّةِ صَدَاقِهَا، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ فَيُكْمِلُوا الصَّدَاقَ، وَأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ.
وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني كما جزم به المزي كأبي مسعود أنه (سمع حسان بن إبراهيم) الكرماني العنزي قاضي كرمان (عن يونس بن يزيد) الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير بن العوّام (أنه سأل عائشة) -رضي الله عنها- (عن قوله تعالى: {وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أن لا تعولوا}) [النساء: 3] أقرب من أن لا تميلوا من قولهم عال الميزان عولًا (قالت) عائشة: (يا ابن أختي) أسماء هي (اليتيمة) التي مات أبوها (تكون في حجر وليها)، القائم بأمورها (فيرغب في مالها وجمالها يريد أن يتزوّجها بأدنى) بأقل (من سنة صداقها) من مهر مثلها (فنهوا) بضم النون والهاء (أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن فيكملوا الصداق) على عادتهن في ذلك (وأمروا) بالواو (بنكاح من سواهن) أي سوى اليتامى (من النساء). وهذا الحديث قد سبق في تفسير سورة النساء.
2 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ. لأَنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ». وَهَلْ يَتَزَوَّجُ مَنْ لاَ أَرَبَ لَهُ فِي النِّكَاحِ؟
(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من استطاع منكم الباءة) بالموحدة والهمزة المفتوحتين وتاء التأنيث ممدودًا وقد لا يهمز ولا يمد وقد يهمز ويمد من غير هاء (فليتزوّج لأنه) أي التزوّج ولأبوي الوقت وذر عن المستملي والكشميهني: فإنه بالفاء بدل اللام وهو لفظ الحديث (أغض للبصر) بالغين والضاد المعجمتين (وأحصن للفرج) بالحاء والصاد المهملتين (وهل يتزوج من لا أرب له) بفتح الهمزة والراء والموحدة أي من لا حاجة له (في النكاح)؟ أم لا.
5065 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَقِيَهُ عُثْمَانُ بِمِنًى فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً فَخَلَيَا، فَقَالَ عُثْمَانُ: هَلْ لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي أَنْ نُزَوِّجَكَ بِكْرًا تُذَكِّرُكَ مَا كُنْتَ تَعْهَدُ؟ فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى هَذَا أَشَارَ إِلَيَّ فَقَالَ: يَا عَلْقَمَةُ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهْوَ يَقُولُ: أَمَالَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ لَقَدْ قَالَ لَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ».
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان (قال حدّثني) بالإفراد (إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس أنه (قال: كنت مع عبد الله) بن مسعود (فلقيه عثمان بمنى فقال) عثمان له: (يا أبا عبد الرحمن) وهي كنية ابن مسعود (إن لي إليك حاجة فخليا)، بالياء وللأصيلي كما في الفتح واليونينية فخلوا بالواو بدل الياء كدعوا وصوّبها ابن التين لأنه واوي يعني من الخلوة أي دخلا في موضع خالٍ (فقال عثمان) له: (هل لك يا أبا عبد الرحمن في أن نزوّجك بكرًا تذكّرك ما كنت تعهد) من نشاطك وقوّة شبابك (فلما رأى عبد الله) بن مسعود (أن ليس له) لنفسه (حاجة إلى هذا) الذي ذكره عثمان من التزويج، ولأبوي ذر والوقت عن الحموي والمستملي: أو ليس له أي لعثمان حاجة إلا هذا بتشديد اللام بدل إلى الجارّة أي الترغيب في النكاح (أشار إليّ فقال: يا علقمة فانتهيت إليه وهو) أي والحال أن ابن مسعود (يقول: أما) بالتخفيف (لئن قلت ذلك لقد قال لنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(يا معشر الشباب) جمع شاب وهو من بلغ إلى أن يكمل ثلاثين عند الشافعية. وفي الجواهر لابن شاس من المالكية إلى أربعين أي يا طائفة الشباب (من استطاع منكم الباءة) أي الجماع فهو محمول على المعني الأعم بقدرته على مؤن النكاح (فليتزوّج) جواب الشرط وعند النسائي من طريق أبي معشر عن إبراهيم النخعي من كان ذا طول فلينكح (ومن لم يستطع) أي الجماع لعجزه عن مؤنه (فعليه بالصوم). قال أبو عبيد: فعليه بالصوم إغراء لغائب ولا تكاد العرب تغري إلا لشاهد تقول عليك زيدًا ولا تقول عليه زيدًا. وأجيب: بأن الخطاب للحاضرين الذين خاطبهم أولًا بقوله "فمن استطاع منكم" فالهاء في فعليه ليست لغائب بل هي للحاضر المبهم إذ لا يصح خطابه بالكاف وهذا كما يقول الرجل: من قام الآن