في القرآن إلا للعقد ولا يرد مثل قوله حتى تنكح زوجًا غيره لأن شرط الوطء في التحليل إنما ثبت بالسُّنَّة وإلاّ فالعقد لا بدّ منه لأن قوله تعالى: {حتى تنكح} [البقرة: 230] معناه حتى تتزوج أي يعقد عليها ومفهومه أن ذلك كافٍ بمجرده لكن ثبتت السُّنَّة أن لا عبرة بمفهوم الغاية بل لا بدّ بعد العقد من ذوق العسيلة. قال ابن فارس: لم يرد النكاح في القرآن إلا للتزويج إلا قوله تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح} [النساء: 6] فإن المراد به الحلم. والثاني: أنه حقيقة في الوطء مجاز في العقد وهو مذهب الحنفية. والثاني: أنه حقيقة فيهما بالاشتراك ويتعين المقصود بالقرينة كما مرّ عن أبي علي، وذكر ابن القطاع للنكاح أكثر من ألف اسم وفوائده كثيرة منها: أنه سبب لوجود النوع الإنساني، ومنها قضاء الوطر بنيل اللذة والتمتع بالنعمة وهذه هي الفائدة التي في الجنة إذ لا تناسل فيها، ومنها غض البصر وكفّ النفس عن الحرام إلى غير ذلك.
1 - باب التَّرْغِيبُ فِي النِّكَاحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}
(بسم الله الرحمن الرحيم) كذا للنسفي تقديم البسملة، وعند رواة الفربري تأخيرها ولأبي ذر سقوطها (باب الترغيب) ولأبي ذر: باب الترغيب (في النكاح لقوله تعالى): ولأبي ذر لقول الله عز وجل: ({فانكحوا ما طاب لكم من النساء}) [النساء: 6] زاد أبو الوقت والأصيلي الآية، والأمر يقتضي الطلب وأقل درجاته الندب فثبت الترغيب وقول داود وأتباعه من أهل الظاهر أنه فرض عين على القادر على الوطء والإنفاق تمسكًا بالآية. وقوله عليه الصلاة والسلام لعكاف بن وداعة الهلالي: "ألك زوجة يا عكاف" قال: لا. قال: "ولا جارية" قال: لا. قال: "وأنت صحيح موسر" قال: نعم والحمد لله. قال: "فأنت إذًا من إخوان الشياطين إما أن تكون من رهبان النصارى فأنت منهم وإما أن تكون منا فاصنع كما نصنع فإن من سُنّتنا النكاح شراركم عزابكم وأراذل أمواتكم عزّابكم. ويحك يا عكاف تزوّج" فقال عكاف: يا رسول الله لا أتزوّج حتى تزوّجني مَن شئت. قال: فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فقد زوّجتك على اسم الله والبركة كريمة كلثوم الحميري". رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده من طريق بقية فهو إيجاب على معين فيجوز أن يكون سبب الوجوب تحقق في حقه، والآية لم تسق إلا لبيان العدد المحلل على ما عرف في الأصول.
5063 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَنْتُمُ
الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي».
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم الجمحي مولاهم البصري قال: (أخبرنا محمد بن جعفر) أي ابن أبي كثير المدني قال: (أخبرنا) ولأبي الوقت: أخبرني بالإفراد (حميد بن أبي حميد الطويل) اختلف في اسم أبيه على نحو عشرة أقوال (أنه سمع أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: جاء ثلاثة رهط) اسم جمع لا واحد له من لفظه، والثلاثة علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعثمان بن مظعون كما في مرسل سعيد بن المسيب عند عبد الرزاق (إلى بيوت أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسألون عن عبادة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما أخبروا) بضم الهمزة وكسر الموحدة مبنيًّا للمفعول بذلك (كأنهم تقالوها)، بتشديد اللام المضمومة عدّوها قليلة (فقالوا: وأين نحن من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قد غفر له) بضم الغين ولابن عساكر وأبوي الوقت وذر عن المستملي قد غفر الله له (ما تقدّم من ذنبه وما تأخر. قال) ولأبوي الوقت وذر فقال (أحدهم: أما) بفتح الهمزة وتشديد الميم للتفضيل (أنا فإني) ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني: فأنا (أصلي الليل أبدًا) قيد لليل لا لقوله أصلي (وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر). بالنهار سوى العيدين وأيام التشريق ولذا لم يقيده بالتأبيد (وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا. فجاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد الأربعة لفظ إليهم (فقال) لهم:
(أنتم الذين قلتم كذا وكذا. أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم حرف تنبيه (والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له)، قال في الفتح: فيه إشارة إلى ردّ ما بنوا عليه أمرهم من أن المغفور له لا يحتاج إلى مزيد في العبادة بخلاف غيره فأعلمهم أنه مع كونه لا يبالغ في التشديد في العبادة أخشى لله وأتقى من الذين يشدّدون، وإنما كان كذلك لأن المشدّد لا يأمن من الملل بخلاف المقتصد فإنه أمكن لاستمراره