استحرّ) بالسين الساكنة والفوقية والحاء المهملة والراء المشددة المفتوحات اشتد وكثر (يوم) وقعة (اليمامة بقرّاء القرآن) وسمى منهم في رواية سفيان بن عيينة عن الزهري في فوائد الدير عاقولي سالمًا مولى حذيفة (وإني أخشى أن يستحرّ) بلفظ المضارع أي يشتد ولأبي ذر إن استحرّ (القتل) اشتد (بالقراء بالمواطن) أي في الأماكن التي يقع فيها القتال مع الكفار (فيذهب كثير من القرآن) بقتل حفظته والفاء في فيذهب للتعقيب (وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن) قال أبو بكر لزيد: (قلت لعمر: كيف تفعل شيئًا لم يفعله) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لم يفعل (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال عمر: هذا والله خير) ردّ لقول أبي بكر كيف تفعل شيئًا لم يفعله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإشعار بأن من البدع ما هو حسن وخير (فلم يزل عمر يراجعني) في ذلك (حتى شرح الله صدري لذلك) الذي شرح له صدر عمر (ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد، قال أبو بكر) لي يا زيد (إنك

رجل شاب) أشار به إلى حدّة نظره وبُعده عن النسيان وضبطه وإتقانه (عاقل لا نتهمك) أشار إلى عدم كذبه وأنه صدوق وفيه تمام معرفته وغزارة علومه وشدّة تحقيقه وتمكنه من هذا الشأن (وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتتبع القرآن فاجمعه) بصيغتي الأمر (فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان) ثقله (أثقل عليّ مما أمرني به) أبو بكر (من جمع القرآن).

فإن قلت: كيف عبّر أولًا بقوله: لو كلفوني وأفرده في قوله مما أمرني به؟ أجيب: بأنه جمع باعتبار أبي بكر ومن وافقه وأفرد باعتبار أنه الآمر بذلك وحده وإنما قال زيد ذلك خشية من التقصير في ذلك لكن الله تعالى يسّره له تصديقًا لقوله تعالى: {ولقد يسّرنا القرآن للذكر} [القمر: 54].

(قلت) لهم: (كيف تفعلون شيئًا لم يفعله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال) أبو بكر (هو) أي جمعه (والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- فتتبعت القرآن) حال كوني (أجمعه) وقت التتبع مما عندي وعند غيري (من العسب) بضم العين والسين المهملتين ثم الموحدة جريد النخل العريض العاري عن الخوص (واللخاف) بكسر اللام وفتح الخاء المعجمة وبعد الألف فاء الحجارة الرقاق أو هي الخزف بالخاء والزاي المعجمتين والفاء (وصدور الرجال) حيث لا يجد ذلك مكتوبًا أو الواو بمعنى مع أي أكتبه من المكتوب الموافق للمحفوظ في الصدور.

وعند أبي داود أن عمر -رضي الله عنه- قام فقال: من كان تلقى من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا من القرآن فليأت به وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب قال: وكان لا يقبل من أحد شيئًا حتى يشهد شاهدان، وهذا يدل على أن زيدًا كان لا يكتفي بمجرد وجدانه مكتوبًا حتى يشهد به مَن تلقّاه سماعًا مع كون زيد كان يحفظه فكان يفعل ذلك مبالغة في الاحتياط، ولأبي داود أيضًا من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر قال لعمر ولزيد: اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه ورجاله ثقات مع انقطاعه، ولعل المراد بالشاهدين الحفظ والكتاب أو المراد أنهما يشهدان أن ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو أنهما يشهدان أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن وكان غرضهم أن لا يكتب إلاّ من عين ما كتب بين يديه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا من مجرد اللفظ والمراد بصدور الرجال الذين جمعوا القرآن وحفظوه في صدورهم كاملًا في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كأُبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل.

(حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة) بن أوس بن يزيد بن حرام وأبو خزيمة مشهور بكنيته لا يعرف اسمه وشهد بدرًا وما بعدها (الأنصاري) النجاري (لم أجدها) مكتوبة (مع أحد غيره {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم} [التوبة: 128] حتى خاتمة براءة) ولا يلزم من عدم وجدانه إياها حينئذٍ أن لا تكون تواترت عند مَن تلقّاها من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

طور بواسطة نورين ميديا © 2015