تكذيب من بلغه كقوله تعالى: {لعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفًا} [الكهف: 6] أو خاف أن الفترة لأمر أو سبب منه فخشي أن يكون عقوبة من ربه ففعل ذلك بنفسه ولم يرد بعد شرع عن ذلك فيعترض به.
وأما ما روى ابن إسحاق عن بعضهم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال وذكر جواره بحراء قال: فجاءني وأنا نائم فقال: اقرأ وذكر نحو حديث عائشة -رضي الله عنها- في غطه له وإقرائه {اقرأ باسم ربك} [العلق: 1]. قال: فانصرف عني وهببت من نومي كأنما صوّرت في قلبي ولم يكن أبغض إليّ من شاعر أو مجنون، ثم قلت لا تحدّث عني قريش بهذا أبدًا لأعمدنّ إلى حالق من الجبل فلأطرحنّ نفسي منه فلأقتلنّها. فأجاب عنه القاضي بأنه إنما كان قبل لقائه جبريل وقيل إعلام الله له بالنبوّة وإظهاره واصطفائه بالرسالة. نعم خرّج الطبري من طريق النعمان بن راشد عن ابن شهاب أن ذلك بعد لقاء جبريل فذكر نحو حديث الباب وفيه فقال: يا محمد أنت رسول الله حقًّا. قال: فلقد هممت أن أطرح نفسي من حالق جبل أي علوه. وأجيب: بأن ذلك لضعف قوته عن تحمل ما حمله من أعباء النبوّة وخوفًا مما يحصل له من القيام بها من مباينة الخلق جميعًا كما يطلب الرجل إلى أخيه من غمٍّ يناله في العاجل ما يكون فيه زواله عنه ولو أفضى إلى إهلاك نفسه عاجلًا.
4954 - قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَهْوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ، قَالَ فِي حَدِيثِهِ: «بَيْنَا أَنَا أَمْشِي، سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي
بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَفَرِقْتُ مِنْهُ فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي». فَدَثَّرُوهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرِّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 1 - 5] قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَهْيَ الأَوْثَانُ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْبُدُونَ، قَالَ ثُمَّ تَتَابَعَ الْوَحْيُ.
(قال محمد بن شهاب) الزهري بالإسناد الأول من السندين المذكورين أول هذا الباب: (فأخبرني) بالإفراد عروة بما سبق وأخبرني (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف وسقط ابن عبد الرحمن لغير أبي ذر (أن جابر بن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يحدّث عن فترة الوحي) ولم يدرك جابر زمان القصة وهو محمول على أن يكون سمعه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال في حديثه):
(بينا) بغير ميم (أنا أمشي سمعت) وفي بدء الوحي إذ سمعت (صوتًا من السماء فرفعت بصري) ولأبي ذر عن الكشميهني رأسي (فإذا الملك الذي جاءني بحراء) هو جبريل عليه السلام (جالس على كرسي بين السماء والأرض) وجالس رفع خبر عن الملك (ففرقت) بكسر الراء وسكون القاف أي خفت (منه فرجعت) إلى أهلي بسبب الفرق (فقلت) لهم (زملوني زملوني) مرتين (فدثروه) بالهاء (فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}) عن النجاسة أو قصرها ({والرجز فاهجر}) دُمْ على هجرها.
(قال أبو سلمة) بن عبد الرحمن بالسند السابق (و) الرجز: (هي الأوثان التي كان أهل الجاهلية يعبدونـ) ـها (قال: ثم تتابع الوحي) وأنّث ضمير الرجز بقوله وهي اعتبارًا بالجنس.
(قوله) جل وعلا: ({خلق}) ولأبي ذر باب خلق ({الإنسان من علق}).
4955 - حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ. فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ} [العلق: 1 - 3].
وبه قال: (حدّثنا ابن بكير) يحيى بن عبد الله المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين بن خالد (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير (أن عائشة - رضي الله عنها- قالت: أول) ولأبي ذر عن عائشة أول (ما بدئ به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي من الوحي (الرؤيا الصالحة) ولأبي ذر عن الكشميهني الصادقة زاد في رواية في النوم وهي تأكيد وإلاّ فالرؤيا مختصة بالنوم (فجاءه الملك فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ}) وسقط السهيلي من هذا الأمر ثبوت البسملة في أول الفاتحة لأن هذا الأمر هو أول شيء نزل من القرآن فأولى مواضع امتثاله أول القرآن.
(باب قوله: {اقرأ}) ولأبي ذر بالتنوين اقرأ ({وربك الأكرم}).
4956 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ ح. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، قَالَ مُحَمَّدُ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ، جَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} [العلق: 1 - 4].
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني الإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) بسكون العين ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (ح) لتحويل السند كما مرّ.
(وقال الليث) بن سعد فيما وصله المؤلّف في بدء الوحي (حدّثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين ابن خالد (قال محمد) هو ابن مسلم بن شهاب الزهري (أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها قالت: (أول ما بدئ به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ