حيّ من اليمن وكانت جرهم يومئذٍ قريبًا من مكة (أو أهل بيت من جرهم) حال كونهم (مقبلين) متوجهين (من طريق كداء) بفتح الكاف ممدودًا. قال في الفتح: وهو في جميع الروايات كذلك وهو أعلى مكة. نعم في رواية ابن عساكر كما في اليونينية كدى بضم الكاف والقصر، ولعل الحافظ ابن حجر لم يقف عليها. (فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرًا عائفًا) بالعين المهملة والفاء وهو الذي يتردّد على الماء ويحوم حوله ولا يمضي عنه (فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء لعهدنا) بلام مفتوحة للتأكيد (بهذا الوادي) ظرف مستقر لا لغو (وما فيه ماء) الواو للحال (فأرسلوا جريًّا) بجيم مفتوحة وراء مكسورة فتحتية مشدّدة رسولاً واحدًا لينظر هل هناك ماء أم لا (أو جريين) رسولين اثنين وسمى الرسول جريًّا لأنه يجري مجرى مرسله أو يجري مسرعًا في حاجته والشك من الراوي (فإذا هم) الجريّ أو الجريان ومن تبعهما (بالماء فرجعوا) إلى جرهم (فأخبروهم بالماء فأقبلوا) إلى جهة الماء (قال: وأم إسماعيل) كائنة (عند الماء فقالوا) لها: (أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ فقالت): ولأبي ذر قالت (نعم) أذنت لكم في النزول (ولكن لا حق لكم في الماء. فقالوا: نعم). لا حق لنا فيه.
(قال ابن عباس) بالسند السابق: (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فألفى) بهمزة مفتوحة وسكون اللام وفتح الفاء أي وجد (ذلك) الحي الجرهمي (أم إسماعيل) بنصب أم مفعول الحي كما قرره في
الكواكب. وقال في العمدة فاعل فألفى قوله ذلك وأم إسماعيل مفعوله وذلك إشارة إلى استئذان جرهم، والمعنى فألفى استئذان جرهم بالنزول أم إسماعيل (وهي) أي والحال أنها (تحب الأنس) بضم الهمزة ضدّ الوحشة ويجوز كسرها وهو الذي في الفرع كأصله أي تحب جنسها (فنزلوا) عندها (وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم) بمكة (حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم وشب الغلام) إسماعيل بين والدان جرهم (وتعلم العربية منهم) ظاهره يعارض حديث ابن عباس المروي في مستدرك الحاكم أوّل من نطق بالعربية إسماعيل. وأجيب: بأن المعنى أوّل من تكلم بالعربية من ولد إبراهيم إسماعيل، وروى الزبير بن بكار في النسب من حديث علي بإسناد حسن: أوّل من فتق الله لسانه بالعربية المبينة إسماعيل. قال في الفتح: وبهذا القيد يجمع بين الخبرين فتكون أوّليته في ذلك بحسب الزيادة في البيان لا الأوّلية المطلقة، فيكون بعد تعلمه أصل العربية من جرهم ألهمه الله العربية الفصيحة المبينة فنطق بها قال: ويشهد لهذا ما حكى ابن هشام عن الشرقي بن قطامي أن عربية إسماعيل كانت أفصح من عربية يعرب بن قحطان وبقايا حمير وجرهم (وأنفسهم) بفتح الفاء والسين عطف على تعلم أي رغبهم فيه وفي مصاهرته. يقال: أنفسني فلان في كذا أي رغبني فيه. وقال في المصابيح: أي صار نفيسًا فيهم رفيعًا يتنافس في الوصول إليه ويرغبون فيه وفي مصاهرته.
وقوله في الفتح: وأنفسهم بفتح الفاء بلفظ أفعل التفضيل من النفاسة تعقبه في العمدة فقال إنه غلط وليس هو إلاّ فعلاً ماضيًا من الإنفاس والفاعل فيه إسماعيل. (وأعجبهم حين شب فلما أدرك) الحل (زوّجوه امرأة منهم) اسمها عمارة بنت سعد بن أسامة فيما قاله ابن إسحاق أو هي الجداء بنت سعد فيما قاله السهيلي والمسعودي أو حيي بنت أسعد بن عملق فيما قاله عمر بن شبة (وماتت أم إسماعيل) قيل ولها من العمر تسعون سنة ودفنها بالحجر (فجاء إبراهيم) عليه الصلاة والسلام (بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته) بكسر الراء أي يتفقد حال ما تركه هناك، واستدل بعضهم بهذا على أن الذبيح إسحاق محتجًا بأن إبراهيم ترك إسماعيل رضيعًا وعاد إليه وقد تزوج لأن الذبح كان في الصغر في حياة أمه قبل تزوجه فلو كان إسماعيل الذبيح لذكره بين زمان الرضاع والتزويج. وأجيب: بأنه ليس في الحديث نفي مجيئه بين الزمانين، وفي حديث أبي جهم أن إبراهيم كان يزور هاجر كل شهر على البراق يغدو غدوة فيأتي مكة ثم يرجع فيقيل في منزله بالشأم. (فلم يجد إسماعيل فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا) أي