البشارة المذكورة فعند الترمذي من رواية معاذ قلت: يا رسول الله ألا أخبر الناس؟ قال: "ذر الناس يعملوا فإن في الجنة مائة درجة" فظهر أن المراد لا تبشر الناس بما ذكرته من دخول الجنة لمن آمن وعمل الأعمال المفروضة عليه فيقفوا عند ذلك ولا يتجاوزوه إلى ما هو أفضل منه من الدرجات التي تحصل في الجهاد، وهذه هي النكتة في قوله: أعدها الله للمجاهدين، وتعقبه العيني بأن قوله: لكن وردت في الحديث زيادة على آخره غير مسلم لأن الزيادة المذكورة في حديث معاذ بن جبل وكلام الطيبي وغيره في حديث أبي هريرة وكل واحد من الحديثين مستقل بذاته، والراوي مختلف فكيف يكون ما في حديث معاذ تعليلاً لما في حديث أبي هريرة على أن حديث معاذ لا يعادل حديث أبي هريرة ولا يدانيه فإن عطاء بن يسار لم يدرك معاذًا اهـ.
وهذا الذي قاله العيني ليس مانعًا مما ذكره الحافظ ابن حجر فالحديث يبيّن بعضه بعضًا وإن تباينت طرقه واختلفت مخارجه ورواته على ما لا يخفى.
(فإن سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة) أي أفضلها (وأعلى الجنة). يعني أرفعها.
وقال ابن حيان: المراد بالأوسط السعة، وبالأعلى الفوقية. قال يحيى بن صالح شيخ البخاري (أراه) بضم الهمزة أي أظنه (قال: وفوقه عرش الرحمن) بفتح القاف قيل وقيده الأصيلي بضمها، ولم يصححه ابن قرقول بل قال: إنه وهم عليه. قال في المصابيح: ووجهه أن فوق من الظروف الملازمة للظرفية فلا تستعمل غير منصوبة أصلاً والضمير المضاف إليه فوق ظاهر التركيب عوده إلى الفردوس، وقال السفاقسي: راجع إلى الجنة كلها. قال في المصابيح: والتذكير حينئذ باعتبار كون الجنة مكانًا وإلاّ فمقتضى الظاهر على ذلك أن يقال وفوقها.
(ومنه) أي من الفردوس (تفجر أنهار الجنة) الأربعة المذكورة في قوله تعالى: {فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن أبي يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى} [محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: 15]. وأصل تفجر تتفجر فحذفت إحدى التائين تخفيفًا وقيل الفردوس مستنزه أهل الجنة، وفي الترمذي هو ربوة الجنة.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في التوحيد والترمذي.
(قال محمد بن فليح) فيما وصله في التوحيد (عن أبيه) فليح (وفوقه عرش الرحمن) فلم يشك كما شك يحيى بن صالح حيث قال: أراه.
2791 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا جَرِيرٌ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَصَعِدَا بِي الشَّجَرَةَ فَأَدْخَلاَنِي دَارًا هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ، لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا، قَال أَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ".
وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا جرير) هو ابن حازم قال: (حدّثنا أبو رجاء) عمران بن ملحان العطاردي البصري (عن سمرة) أي ابن جندب -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(رأيت الليلة رجلين) أي ملكين وهما جبريل وميكائيل (أتيا فصعدا بي الشجرة فأدخلاني) بالفاء ولأبي ذر وأدخلاني (دارًا هي أحسن وأفضل) أي من الأولى المذكورة في هذا الحديث المسوق مطوّلاً في الجنائز حيث قال: وأدخلاني دارًا لم أرَ قط أحسن منها فيها رجال وشيوخ وشباب ونساء وصبيان، ثم أخرجاني منها فصعدا بي الشجرة وأدخلاني دارًا هي أحسن وأفضل (لم أرَ قطّ أحسن منها، قالا) أي الملكان ولأبي ذر عن المستملي قال: (أما هذه الدار فدار الشهداء) وهو يدل على أن منازل الشهداء أرفع المنازل.
(باب الغدوة والروحة في سبيل الله)، بفتح الغين المعجمة المرة الواحدة من الغدو وهو الخروج في أي وقت كان من أوّل النهار إلى انتصافه والروحة بفتح الراء المرة الواحدة من الرواح وهو الخروج في أي وقت كان من زوال الشمس إلى غروبها (وقاب قوس أحدكم من الجنة) بجر قاب عطفًا على الغدوة المجرورة بالإضافة وبالرفع على الاستئناف ما بين الوتر والقوس، أو قدر طولها، أو ما بين السية والمقبض، أو قدر ذراع أو ذراع يقاس به فكأن المعنى بيان فضل قدر الذراع من الجنة، ولأبي ذر عن الكشمميهني: في الجنة.
2792 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». [الحديث 2792 - طرفاه في: 2796، 6568].
وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) العمي البصري قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد البصري قال: (حدّثنا حميد) هو الطويل (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ