كونهم (غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر) بمثلثة فموحدة مفتوحتين فجيم وسطه أو معظمه أو هوله أقوال (ملوكًا) نصب بنزع الخافض أي مثل ملوك (على الأسرّة) أي في الجنة كما قاله ابن عبد البر. قال النووي: والأصح أنه صفة لهم في الدنيا أي يركبون مراكب الملوك لسعة حالهم واستقامة أمرهم (أو) قال (مثل الملوك على الأسرّة) (شك إسحاق) بن عبد الله بن أبي طلحة (قالت فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وهذا ظاهر فيما ترجم له المؤلّف في حق النساء ويؤخذ منه حكم الرجال بطريق الأولى، ولا يقال لا مطابقة بينهما لأنه ليس في الحديث تمني الشهادة وإنما فيه تمني الغزو ولأن الشهادة هي الثمرة العظمى المطلوبة في الغزو.
واستشكل الدعاء بالشهادة إذ حاصله أن يدعو الله تعالى أن يمكن منه كافرًا يعصي الله بقتله فيقل عدد المسلمين ويدخل السرور على قلوب المشركين، ومقتضى القواعد الفقهية أن لا يتمنى معصية الله لنفسه ولا لغيره. وأجاب ابن المنير: بأن المدعو به قصدًا إنما هو نيل الدرجة الرفيعة المعدة للشهداء وأما قتل الكافر للمسلم فليس بمقصود للداعي وإنما هو من ضرورات الوجود لأن الله قد أجرى حكمه أن لا ينال تلك الدرجة إلا شهيدًا.
(ثم وضع) عليه الصلاة والسلام (رأسه) الشريف ثانيًا فنام (ثم استيقظ وهو يضحك فقلت: وما يضحكك يا رسول الله)؟ وسقطت الواو من قوله وما لأبي ذر (قال): (ناس من أمتي عرضوا عليّ) حال كونهم (غزاة في سبيل الله) قيل أي يركبون البرّ (كما قال في الأول) ملوكًا على الأسرّة، ولأبي ذر: في الأولى بالتأنيث. (قالت فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، قال: (أنت من الأولين) الذين يركبون ثبج البحر (فركبت البحر زمن معاوية ابن أبي سفيان) مع زوجها في أول غزوة كانت إلى الروم مع معاوية زمن عثمان بن عفان سنة ثمان وعشرين وهذا قول أكثر أهل السِّيَر. وقال البخاري ومسلم في زمان معاوية فعلى الأول يكون المراد زمان غزو معاوية في البحر لا زمان خلافته (فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت). في الطريق لما رجعوا من غزوهم بغير مباشرة للقتال، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد". رواه مسلم، وروى أبو داود من حديث أبي مالك الأشعري مرفوعًا: "من رقصته فرسه أو بعيره أو لدغته هامة أو مات على فراشه فهو شهيد". وقال تعالى: {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله} [النساء: 100].
وحديث الباب أخرجه البخاري أيضًا في الجهاد وكذا أبو داود والترمذي والنسائي والله أعلم.
قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ: غُزًّا وَاحِدُهَا غَازٍ. هُمْ دَرَجَاتٌ: لَهُمْ دَرَجَات.
(باب درجات المجاهدين في سبيل الله. يقال هذه سبيلي، وهذا سبيلي) يريد المؤلّف أن السبيل يؤنث ويذكر وبذلك جزم الفرّاء (قال أبو عبد الله): البخاري (غُزًّا) بضم المعجمة وتشديد الزاي (وأحدها غازٍ هم درجات) أي (لهم درجات) أي منازل قاله أبو عبيدة، وقال غيره أي وهم ذوو درجات وثبت قوله قال أبو عبد الله: إلى آخره. في رواية أبي ذر عن الحموي والمستملي.
2790 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَصَامَ رَمَضَانَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ نُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ -أُرَاهُ قَالَ: وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ- وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ «وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ». [الحديث 2790 - طرفه في: 7423].
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن صالح) الوحاظي الشامي قال: (حدّثنا فليح) بضم الفاء وفتح اللام وبعد التحتية الساكنة حاء مهملة عبد الملك بن سليمان (عن هلال بن عليّ) الفهري المدني (من عطاء بن يسار) بالتحتية والمهملة المخففة الهلالي المدني (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله) ولأبي ذر: قال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من آمن بالله وبرسوله وأقام الصلاة وصام رمضان) لم يذكر الزكاة والحج ولعله سقط من أحد رواته، وقد ثبت الحج في الترمذي في حديث معاذ بن جبل وقال فيه: ولا أدري أذكر الزكاة أم لا. وأيضًا فإن الحديث لم يذكر لبيان الأركان فكأن الاقتصار على ما ذكر إن كان محفوظًا لأنه هو المتكرر غالبًا وأما الزكاة فلا تجب إلا على من له مال بشرطه والحج لا يجب إلا مرة على التراخي.
(كان حقًّا على الله) بطريق الفضل والكرم لا بطريق الوجوب (أن يدخله الجنة جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها). وفي نسخة: في بيته الذي ولد فيه وفيه تأنيس لمن حرم الجهاد وأنه ليس محرومًا من الأجر بل له من الإيمان والتزام الفرائض ما يوصله إلى الجنة وإن قصر عن درجة المجاهدين. (فقالوا: يا رسول الله) في الترمذي أن الذي خاطبه بذلك هو معاذ بن جبل، وعند الطبراني: وأبو الدرداء (أفلا نبشر الناس)؟ بذلك (قال): (إن في الجنة مائة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض) قال الطيبي وتبعه الكرماني: لما سوى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين الجهاد وبين عدمه وهو المراد بالجلوس في أرضه التي ولد فيها في دخول المؤمن
بالله ورسوله المقيم للصلاة الصائم لرمضان في الجنة استدرك -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قوله الأول بقوله الثاني: إن في الجنة مائة درجة إلى آخره، وتعقب بأن التسوية ليست على عمومها وإنما هي في أصل دخول الجنة لا في تفاوت الدرجات كما مرّ.
وقال الطيبي في شرح المشكاة: هذا الجواب من الأسلوب الحكيم أي بشرهم بدخول الجنة بالإيمان والصوم والصلاة ولا تكتف بذلك بل زد على تلك البشارة بشارة أخرى وهي الفوز بدرجات الشهداء فضلاً من الله ولا تقنع بذلك أيضًا بل بشّرهم بالفردوس الذي هو أعلى، وتعقبه في فتح الباري فقال: لو لم يرد الحديث إلا كما وقع هنا (كان) ما قال متجهًا، لكن ورد في الحديث زيادة دلّت على أن قوله إن في الجنة مائة درجة تعليل لتلك