الرحلين) في رواية ابن سعد لخنيس بن جابر ولابن إسحاق للعامري (والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدًا فاستلّه الآخر) أي أخرج السيف صاحبه من غمده (فقال: أجل) نعم (والله إنه لجيد لقد جرّبت به ثم جرّبت، فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه فأمكنه منه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي به بدل منه أي بيده (فضربه) أبو بصير (حتى برد) بفتح الموحدة والراء أي مات (وفرّ الآخر) وعند ابن إسحاق وخرج المولى يشتد أي هربًا وهو مولى خنيس واسمه كوثر (حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو) بالعين المهملة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين رآه) (لقد رأى هذا ذعرًا) بضم الذال المعجمة وسكون العين المهملة خوفًا (فلما انتهى إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال قتل) بضم القاف مبنيًّا للمفعول ولأبي ذر قتل بفتح
القاف والتاء أي قتل أبو بصير (والله صاحبي وإني لمقتول) أي إن لم تردّوه عني (فجاء أبو بصير فقال: يا نبي الله قد والله أوفى الله ذمتك) كان القياس أن يقول والله قد أوفى الله ذمتك لكن القسم محذوف والمذكور مؤكد له ولغير أبي ذر إليك ذمتك (قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (ويل أمه) برفع اللام في رواية أبي ذر خبر مبتدأ أي هو ويل لأمه وقطع همزة أمه وتشديد ميمها مكسورة وفي نسخة ويل أمه بحذف الهمزة تخفيفًا، وفي أخرى ويل أمه بنصب اللام على أنه مفعول مطلق. قال الجوهري: وإذا أضفته فليس فيه إلا النصب وفي اليونينية ويل أمه بكسر اللام وقطع الهمزة. قال ابن مالك تبعًا للخليل: وي كلمة تعجب وهي من أسماء الأفعال واللام بعدها مكسورة ويجوز ضمها إتباعًا للهمزة وحذف الهمزة تخفيفًا. وقال الفراء أصل قولهم ويل فلان وي لفلان أي حزن له فكثر الاستعمال فألحقوا بها اللام فصارت كأنها منها وأعربوها (مسعر حرب) بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملتين بالنصب على التمييز أو الحال مثل لله درّه فارسًا ولأبي ذر مسعر بالرفع أي هو مسعر وحرب مجرور بالإضافة وأصل ويل دعاء عليه واستعمل هنا للتعجب من إقدامه في الحرب والإيقاد لنارها وسرعة النهوض لها (لو كان له أحد) ينصره لإسعار الحرب لأثار الفتنة وأفسد الصلح، (فلما سمع) أبو بصير (ذلك عرف أنه) عليه السلام (سيردّه إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر) بكسر السين المهملة وسكون التحتية وبعدها فاء أي ساحله في موضع يسمى العيص بكسر العين المهملة وسكون التحتية آخره صاد مهملة على طريق أهل مكة إذا قصدوا الشام.
(قال وينفلت) بالفاء والمثناة الفوقية أي ويتخلص (منهم أبو جندل بن سهيل) أي من أبيه وأهله من مكة وعبّر بصيغة الاستقبال إشارة إلى إرادة مشاهدة الحال على حدّ قوله تعالى: {الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابًا} [الروم: 48] وفي رواية أبي الأسود عن عروة وانفلت أبو جندل في سبعين راكبًا مسلمين (فلحق بأبي بصير) بسيف البحر (فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة) بكسر العين جماعة ولا واحد لها من لفظها وهي تطلق على الأربعين فما دونها، لكن عند ابن إسحاق أنهم بلغوا نحوًا من سبعين بل جزم به عروة في المغازي وزاد وكرهوا أن يقدموا المدينة في مدة الهدنة خشية أن يعادوا إلى المشركين وسمى الواقدي منهم الوليد بن الوليد بن المغيرة. (فوالله ما يسمعون بعير) بخبر عير بكسر العين قافلة (خرجت) من مكة (لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها) وقفوا لها في طريقها بالعرض وذلك كناية عن منعهم لها من المسير، (فقتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش) أبا سفيان بن حرب (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تناشده بالله والرحم) تقول له سألتك بالله وبحق القرابة ولأبي ذر تناشده الله والرحم (لما) بالتشديد أي ألا (أرسل) إلى أبي بصير وأصحابه بالامتناع عن إيذاء قريش (فمن أتاه) منهم مسلمًا (فهو آمن) من الرد إلى قريش (فأرسل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليهم) زاد في رواية أبي الأسود فقدموا عليه، وفيها: فعلم الذين كانوا أشاروا بأن لا يسلم أبا جندل إلى أبيه أن طاعة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خير مما كرهوا