جندل أي معشر المسلمين أردّ) بضم الهمزة وفتح الراء (إلى المشركين وقد جئت) حال كوني (مسلمًا ألا ترون ما قد لقيت) بفتح القاف في اليونينية فقط وفي غيرها لقيت بكسرها (وكان قد عذب عذابًا شديدًا في الله) زاد ابن إسحاق فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يا أبا جندل اصبر واحتسب فإنّا لا نغدر وإن الله جاعل لك فرجًا ومخرجًا".
وقول الكرماني فإن قلت: لم رد أبا جندل إلى المشركين وقد قال مكرز أجزناه لك؟ وجوابه: بأن المتصدي لعقد المهادنة هو سهيل لا مكرز فالاعتبار بقول المباشر لا بقول مكرز متعقب بما نقله في فتح الباري عن الواقدي أنه روى أن مكرزًا كان ممن جاء في الصلح مع سهيل وكان معهما حويطب بن عبد العزى، وأنه ذكر في روايته ما يدل على أن إجازة مكرز لم تكن في أن لا يرده إلى سهيل بل في تأمينه من التعذيب، وأن مكرزًا وحويطبًا أخذا أبا جندل فأدخلاه فسطاطًا وكفا أباه عنه. وقال الخطابي: إنما ردّه إلى أبيه والغالب أن أباه لا يبلغ به الهلاك.
(فقال) ولأبي ذر قال (عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه-: (فأتيت نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت) له (ألست نبي الله) بالنصب خبر ليس (حقًّا؟ قال) عليه الصلاة والسلام (بلى) (قلت ألسنا على الحق وعدوّنا على الباطل؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (بلى) (قلت: فلِمَ نُعطي الدنيّة) بفتح الدال والمهملة وكسر النون وتشديد التحتية والأصل فيه الهمزة لكنه خفّف وهو صفة لمحذوف أي الحالة الدنيّة الخبيثة (في ديننا إذًا) بالتنوين أي حينئذٍ (قال): (إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري) فيه تنبيه لعمر- رضي الله عنه- على إزالة ما حصل عنده من القلق، وأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يفعل ذلك إلا لأمر أطلعه الله عليه من حبس الناقة وأنه لم يفعل ذلك إلا بوحي من الله. قال عمر -رضي الله عنه- (قلت) له عليه الصلاة والسلام: (أوليس كنت تحدّثنا أنّا سنأتي البيت فنطوف به) بالتخفيف وفي نسخة فنطّوّف بتشديد الطاء والواو وعند الواقدي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان رأى في منامه قبل أن يعتمر أنه دخل هو وأصحابه البيت فلما رأوا تأخير ذلك شقّ عليهم (قال) عليه الصلاة والسلام: (بلى فأخبرتك أنّا نأتيه العام) هذا (قال) عمر (قلت لا. قال: فإنك آتيه ومطوّف به) بتشديد الطاء المفتوحة والواو المكسورة المشددة أيضًا.
(قال) عمر (فأتيت أبا بكر فقلت يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقًّا)؟ وفي اليونينية نبي الله بالنصب (قال: بلى. قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي) الخصلة (الدنيّة) الخبيثة (في ديننا إذًا) أي حينئذٍ (قال) أبو بكر -رضي الله عنه- مخاطبًا لعمر رضي الله
عنهما (أيها الرجل إنه لرسول الله) ولأبي ذر إنه رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه) بفتح العين المعجمة وبعد الراء الساكنة زاي وهو للإبل بمنزلة الركاب للفرس أي فتمسك بأمره ولا تخالفه كما يتمسك المرء بركاب الفارس فلا يفارقه، (فوالله إنه على الحق) قال عمر: (قلت أليس كان) عليه الصلاة والسلام: (يحدّثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به) ولأبي ذر فنطوّف بالفاء بدل الواو والتشديد (قال) أبو بكر: (بلى أفأخبرك) عليه الصلاة والسلام (أنك تأتيه العام) هذا قال عمر: (قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطوّف به) بالتشديد مع كسر الواو وفي ذلك دلالة على فضيلة أبي بكر ووفور عمله لكونه أجاب به الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(قال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب بالسند السابق (قال عمر) -رضي الله عنه- (فعملت لذلك) التوقف في الامتثال ابتداء (أعمالاً) صالحة. وعند ابن إسحاق فكان عمر يقول: ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذٍ مخافة كلامي الذي تكلمت به، وعند الواقدي من حديث ابن عباس قال عمر -رضي الله عنه-: لقد أعتقت بسبب ذلك رقابًا وصمت دهرًا الحديث. ولم يكن هذا شكًّا منه في الدين بل ليقف على الحكمة في القضية وتنكشف عنه الشبهة وللحثّ على إذلال الكفار كما عرف من قوّته في نصرة الدين وقول الزهري هذا منقطع بينه وبين عمر.
(قال: فلما فرغ من قضية الكتاب)