الليل فصلّى في المسجد وصلّى رجال بصلاته)، مقتدين به، وقوله فصلّى الأولى بالفاء والثانية بالواو (فأصبح الناس فتحدثوا)، أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى في المسجد من جوف الليل (فاجتمع) في الليلة الثانية (أكثر منهم) برفع أكثر فاعل اجتمع (فصلوا معه) عليه الصلاة والسلام، ولأبي ذر: فصلّى فصلوا معه (فأصبح الناس فتحدثوا) بذلك (فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج) إليهم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصلّى فصلوا بصلاته)، ولابن عساكر: فصلّى بصلاته فأسقط لفظ فصلوا، ولا ذر: فصلّى صلاته بضم الصاد مبنيًا للمفعول وأسقط فصلوا أيضًا (فلما كانت الليلة الرابعة -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسجد عن أهله) أي ضاق (حتى خرج) عليه الصلاة والسلام (لصلاة الصبح فلما قضى الفجر) أي صلاته (أقبل على الناس) بوجهه الكريم (فتشهد) في صدر الخطبة (ثم قال):
(أما بعد فإنه لم يخف عليّ مكانكم ولكني خشيت أن تفرض) أي صلاة التراويح في جماعة (عليكم فتعجزوا عنها) بكسر الجيم مضارع عجز بفتحها أي فتتركوها مع القدرة، وظاهر قوله:
خشيت أن تكتب عليكم أنه عليه الصلاة والسلام توقع ترتب افتراض قيام رمضان في جماعة على مواظبتهم عليه وفي ارتباط افتراض العبادة بالواظبة عليها إشكال.
قال أبو العباس القرطبي: معناه تظنونه فرضًا للمداومة فيجب على من يظنه كذلك كما إذا ظن المجتهد حل شيء أو تحريمه وجب عليه العمل بذلك، وقيل: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان حكمه أنه إذا ثبت على شيء من أعمال القرب واقتدى الناس به في ذلك العمل فرض عليهم ولذا قال: خشيت أن تفرض عليكم اهـ.
واستبعد ذلك في شرح التقريب وأجاب: بأن الظاهر أن المانع له عليه الصلاة والسلام أن الناس يستحلون متابعته ويستعذبونها ويستسهلون الصعب منها فإذا فعل أمرًا سهل عليهم فعله لمتابعته فقد يوجبه الله عليهم لعدم المشقّة عليهم فيه في ذلك الوقت، فإذا توفي عليه الصلاة والسلام زال عنهم ذلك النشاط وحصل لهم الفتور فشق عليهم ما كانوا استسهلوه لا أنه يفرض عليهم ولا بدّ كما قال القرطبي وغايته أن يصير ذلك الأمر مرتقبًا متوقعًا قد يقع وقد لا يقع، واحتمال وقوعه هو الذي منعه عليه الصلاة والسلام من ذلك قال: ومع هذا فالمسألة مشكلة ولم أر من كشف الغطاء في ذلك.
وأجاب في الفتح: بأن المخوف افتراض قيام الليل بمعنى جعل التهجد في المسجد جماعة شرطًا في صحة التنفل في الليل ويومئ إليه قوله في حديث زيد بن ثابت: حتى خشيت أن يكتب عليكم ولو كتب عليكم ما قمتم به فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فمنعهم من التجمع في المسجد إشفاقًا عليهم من اشتراطه وأمن مع إذنه في المواظبة على ذلك في بيوتهم من افتراضه عليهم.
قال الزهري: (فتوفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والأمر على ذلك) أن كل أحد يصلّي قيام رمضان في بيته منفردًا حتى جمع عمر -رضي الله عنه- الناس على أبي بن كعب فصلّى بهم جماعة واستمر العمل على ذلك.
وهذا الحديث سبق في باب: من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد من كتاب الجمعة.
2013 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ: "سَأَلَ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهَا عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ قَالَ: يَا عَائِشَةُ، إِنَّ عَيْنَىَّ تَنَامَانِ، وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي".
وبه قال (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن سعيد) هو ابن أبي سعيد كيسان المدني (المقبري) كان جازًا للمقبرة فنسب إليها وثقه أحمد وابن المديني وأبو
زرعة والنسائي وغيرهم، وذكر الواقدي أنه اختلط قبل موته بأربع سنين ولم يتابع الواقدي على ذلك. نعم قال شعبة: حدّثناه سعيد بعدما كبر وعن يحيى بن معين أثبت الناس فيه ابن أبي ذئب وعن ابن خراش أثبت الناس فيه الليث بن سعد. قال ابن حجر: أكثر ما خرج له البخاري من حديث هذين عنه، وأخرج له أيضًا من حديث مالك وإسماعيل بن أمية وعبيد الله بن عمر العمري وغيرهم من الكبار وروى له الباقون لكن لم يخرجوا من حديث شعبة عنه شيئًا (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري أحد الأعلام اختلف في اسمه قال مالك اسمه كنيته (أنه سأل عائشة -رضي الله عنها- كيف كانت صلاة