وَسَلَّمَ- إلى) غزوة (أحد) وكانت سنة ثلاث من الهجرة (رجع ناس من أصحابه) عليه الصلاة والسلام من الطريق وهم عبد الله بن أبي ومن تبعه (فقالت فرقة) من المسلمين (نقتلهم) أي نقتل الراجعين، (وقالت فرقة): منهم (لا نقتلهم) لأنهم مسلمون (فنزلت) لما اختلفوا {فما لكم في المنافقين فئتين} [النساء: 88] أي تفرقتم في أمرهم فرقتين حال عاملها لكم وفي المنافقين متعلق بما دل عليه فئتين أي متفرقين فيهم، (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إنها) أي المدينة (تنفي الرجال) جمع رجل والألف واللام للعهد أي شرارهم وأخساءهم أي تميز وتظهر شرار الرجال من خيارهم، ولأبي ذر عن الكشميهني: تنفي الدجال بالدال وتشديد الجيم. قال في الفتح: وهو تصحيف، وفي غزوة أحد تنفي الذنوب، وفي تفسير سورة النساء تنفي الخبث، وأخرجه في هذه المواضع كلها من طريق شعبة، وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي من رواية غندر عن شعبة باللفظ الذي أخرجه في التفسير من طريق غندر وغندر يثبت الناس في شعبة وروايته توافق رواية حديث جابر الذي قبله حيث قال فيه: تنفي خبثها، وكذا أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة تنفي الناس، والرواية التي هنا تنفي الرجال لا تنافي الرواية التي بلفظ الخبث بل هي مفسرة للرواية المشهورة بخلاف تنفي الذنوب، ويحتمل أن يكون فيه حذف تقديره أهل الذنوب فتلتئم مع باقي الروايات اهـ.
(كما تنفي النار خبث الحديد) وتبقي الطيب أزكى ما كان وأخلص وكذلك المدينة.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في المغازي والتفسير ومسلم في المناسك وفي ذكر المنافقين والترمذي والنسائي في التفسير.
هذا (باب) بالتنوين بلا ترجمة فهو بمعنى الفصل من الباب وفيه حديثان فمناسبة الأول لما سبق من جهة أن تضعيف البركة وتكثيرها يلزم منه تقليل ما يضادها فناسب نفي الخبث ومناسبة الثاني من جهة أن حب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للمدينة يناسب طيب ذاتها وأهلها، وسقط لفظ باب لأبي ذر.
1885 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبِي سَمِعْتُ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضِعْفَىْ مَا جَعَلْتَ بِمَكَّةَ مِنَ الْبَرَكَةِ».
تَابَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ عَنْ يُونُسَ.
وبالسند قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبوي ذر والوقت حدثني (عبد الله بن محمد) المسندي بفتح النون أو بكسرها قال: (حدّثنا وهب بن جرير) بفتح الجيم قال: (حدّثنا أبي) جرير بن حازم قال: (سمعت يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن أنس) هو ابن مالك (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(اللهم اجعل بالمدينة ضعفي) تثنية ضعف بالكسر، قال في القاموس مثله وضعفاه مثلاه أو الضعف المثل إلى ما زادوا يقال لك ضعفه يريدون مثليه وثلاثة أمثاله لأنه زيادة غير محصورة وقول الله تعالى: {يضاعف لها العذاب ضعفين} [الأحزاب: 30] أي ثلاثة أعذبة ومجاز يضاعف أي يجعل إلى الشيء شيئان حتى يصير ثلاثة اهـ.
وقال الفقهاء في الوصية بضعف نصيب ابنه مثلاه وبضعفيه ثلاثة أمثاله عملاً بالعرف في الوصايا وكذا في الأقارير نحو له على ضعف درهم فيلزمه درهمان لا العمل باللغة والمعنى هنا اللهم اجعل بالمدينة مثلي (ما جعلت بمكة من البركة) أي الدنيوية إذ هو مجمل فسره الحديث الآخر اللهم بارك لنا في صاعنا ومدّنا فلا يقال أن مقتضى إطلاق البركة أن يكون ثواب صلاة المدينة ضعفي ثواب الصلاة بمكة، أو المراد عموم البركة، لكن خصت الصلاة ونحوها بدليل خارجي فاستدلّ به على تفضيل المدينة على مكة وهو ظاهر من هذه الجهة لكن لا يلزم من حصول أفضلية المفضول في شيء من الأشياء ثبوت الأفضلية على الإطلاق وأيضًا لا دلالة في تضعيف الدعاء للمدينة على فضلها على مكة إذ لو كان كذلك للزم أن يكون الشأم واليمن أفضل من مكة لقوله في الحديث الآخر: اللهم بارك لنا في شأمنا ويمننا أعادها ثلاثًا وهو باطل لما لا يخفى فالتكرير للتأكيد والمعنى واحد قال الأبي: ومعنى ضعف ما بمكة أن المراد ما أشبع بغير مكة رجلاً أشبع بمكة رجلين وبالمدينة ثلاثة فالأظهر في الحديث أن البركة إنما هي في الاقتيات. وقال النووي في نفس المكيل بحيث يكفي المد فيها من لا يكفيه في غيرها وهذا أمر محسوس عند