إن غدروا (فلما نزعه) أي فلما نزع عليه الصلاة والسلام المغفر (جاء رجل) ولأبي ذر عن الكشميهني: جاءه رجل وهو أبو برزة نضلة بن عبيد الأسلمي كما جزم به الفاكهاني في شرح العمدة والكرماني. قال البرماوي: وكذا ذكره ابن طاهر وغيره وقيل سعيد بن حريث، (فقال) يا رسول الله (إن من ابن خطل) بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة بعدها لام وكان اسمه في الجاهلية عبد العزى، فلما أسلم سمي عبد الله وليس اسمه هلالاً بل هو اسم أخيه واسم خطل عبد مناف، وخطل لقب له لأن أحد لحييه كان أنقص من الآخر فظهر أنه مصروف وهو من بني تيم بن فهر بن غالب ومقول قول الرجل هو قوله (متعلق بأستار الكعبة ئقال): عليه الصلاة والسلام:
(اقتلوه) فقتله أبو برزة وشاركه فيه سعيد بن حريث، وقيل القاتل له سعيد بن ذؤيب، وقيل الزبير بن العوّام وكان قتله بين المقام وزمزم.
واستدلّ به القاضي عياض في الشفاء وغيره من المالكية على قتل من آذى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو تنقصه ولا تقبل له توبة لأن ابن خطل كان يقول الشعر يهجو به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويأمر جاريتيه أن تغنيا به، ولا دلالة في ذلك أصلاً لأنه إنما قتل ولم يستتب للكفر والزيادة فيه بالأذى مع ما اجتمع فيه من موجبات القتل ولأنه اتخذ الأذى ديدنًا فلم يتحتم أن سبب قتله الذم فلا يقاس عليه من فرط منه فرطة وقلنا بكفره بها وتاب ورجع إلى الإسلام فالفرق واضح.
وفي كتابي المواهب اللدنية بالمنح المحمدية مزيد بحث لذلك وإنما أمر عليه الصلاة والسلام بقتل ابن خطل لأنه كان مسلمًا، فبعثه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مصدقًا وبعث معه رجلاً من الأنصار وكان معه مولى يخدمه وكان مسلمًا فنزل منزلاً فأمر المولى أن يذبح تيسًا ويصنع له طعامًا ونام، فاستيقظ ولم يصنع له شيئًا فعدا عليه فقتله ثم ارتد مشركًا، وكانت له قينتان تغنيان بهجاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكان ممن أهدر دمه يوم الفتح.
قال الخطابي: قتله بما جناه في الإسلام. وقال ابن عبد البر: قودا من دم المسلم الذي قتله ثم ارتد، واستدلّ بقصته على جواز إقامة الحدود والقصاص في حرم مكة. وقال أبو حنيفة: لا يجوز، وتأول الحديث بأنه كان في الساعة التي أبيحت له. وأجاب أصحابنا بأنه إنما أبيحت له ساعة الدخول حتى استولى عليها وقتل ابن خطل بعد ذلك.
وتعقب بما سبق أن الساعة التي أحلت له ما بين أوّل النهار ودخول وقت العصر وقتل ابن
خطل كان قبل ذلك قطعًا لأنه قيد في الحديث بأنه كان عند نزع المغفر وذلك عند استقراره بمكة، وحينئذ فلا يستقيم الجواب المذكور.
وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في اللباس والجهاد والمغازي، ومسلم في المناسك، وأبو داود والترمذي وابن ماجة في الجهاد، والنسائي في الحج.
وهذا الحديث قد عد من إفراد مالك تفرد بقوله: وعلى رأسه المغفر كما تفرد بحديث السفر قطعة من العذاب قاله ابن الصلاح وغيره.
وتعقبه الزين العراقي بأنه ورد من طريق ابن أخي الزهري ومعمر وأبن أويس والأوزاعي فالأولى عند البزار، والثانية عند ابن عدي وفوائد ابن المقري، والثالثة عند ابن سعد وأبي عوانة، والرابعة ذكرها المزني وهي في فوائد تمام.
وزاد الحافظ ابن حجر طريق عقيل في معجم ابن جميع، ويونس بن يزيد في الإرشاد للخليلي، وابن أبي حفصة في الرواة عن مالك للخطيب، وابن عيينة في مسند أبي يعلى، وأسامة بن زيد في تاريخ نيسابور، وابن أبي ذئب في الحلية، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي الموالي في إفراد الدارقطني، وعبد الرحمن ومحمد ابني عبد العزيز الأنصاريين في فوائد عبد الله بن إسحاق الخراساني، وابن إسحاق في مسند مالك لابن عدي، وصالح بن الأخضر ذكره أبو ذر الهروي عقب حديث ابن قزعة عن مالك الخرج عند البخاري في المغازي وبحر السقاء ذكره جعفر الأندلسي في تخريجه للجيزي بالجيم والزاي، لكن ليس في طرقه على شرط الصحيح إلا طريق مالك وأقربها ابن أخي الزهري، ويليها رواية ابن أويس فيحمل قول من قال انفرد به مالك أي بشرط الصحة وقول من قال توبع أي في الجملة.
وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ جَاهِلاً أَوْ نَاسِيًا فَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.
هذا (باب) بالتنوين (إذا