بن عيينة عن وائل بن داود عن ولده بكر بن وائل عن الزهري عن أنس، أن النبي أولم على صفية بسويق وتمر. لم يروه عن بكر إلا وائل، ولم يروه عن وائل غير ابن عيينة فهو غريب.
وكذا قال الترمذي إنه حسن غريب. قال وقد رواه غير واحد عن ابن عيينة عن الزهريّ يعني بدون وائل وولده، قال وكان ابن عيينة ربما دلسهما، والحكم بالتفرّد يكون بعد تتبّع طرق الحديث الذي يظن أنه فرد هل شارك راويه آخر أم لا، فإن وجد بعد كونه فردًا أن راويًا آخر ممن يصلح أن يخرج حديثه للاعتبار والاستشهاد به وافقه، فإن كان التوافق باللفظ سمي متابعًا، وإن كان بالمعنى سمي شاهدًا، وإن لم يوجد من وجه بلفظه أو بمعناه فإنه يتحقق فيه التفرّد المطلق حينئذ. ومظنة معرفة الطرق التي يحصل بها المتابعات والشواهد وتنتفي بها الفردية الكتب المصنفة في الأطراف، وقد مثل ابن حبان لكيفية الاعتبار بأن يروي حماد بن سلمة حديثًا لم يتابع عليه عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فينظر هل روى ذلك ثقة غير أيوب عن ابن سيرين، فإن وجد علم به أن للحديث أصلاً يرجع إليه، وإن لم يوجد ذلك فثقة غير ابن سيرين، رواه عن أبي هريرة، وإلا فصحابي غير أبي هريرة رواه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأي ذلك وجد علم به أن للحديث أصلاً يرجع إليه، وإلا فلا. وكما أنه لا انحصار للمتابعات في الثقة كذلك الشواهد، فيدخل فيهما رواية من لا يحتج بحديثه وحده، بل يكون معدودًا في الضعفاء، وفي البخاري ومسلم جماعة من الضعفاء ذكراهم في المتابعات والشواهد، وليس كل ضعيف يصلح لذلك. وكذا قال الدارقطني فلان يعتبر به وفلان لا يعتبر به. وقال النووي في شرح مسلم "وإنما يدخلون الضعفاء لكون التابع لا اعتماد عليه وإنما الاعتماد على من قبله " اهـ.
قال شيخنا ولا انحصار له في هذا، بل قد يكون كلٌّ من المتابع والمتابع لا اعتماد عليه، فباجتماعهما تحصل القوة، ومثال المتابع والشاهد ما رواه الشافعي في الأم عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه. فإن غمّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين". فإنه في جميع الموطآت عن مالك بهذا السند بلفظ فإن غمّ عليكم فاقدروا له. وأشار البيهقي إلى أن الشافعي تفرد بهذا اللفظ عن مالك فنظرنا فإذا البخاري روى الحديث في صحيحه، فقال حدّثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي حدّثنا مالك به بلفظ الشافعي سواء، فهذه متابعة تامة في غاية الصحة لرواية الشافعي، ودلّ هذا على أن مالكًا رواه عن عبد الله بن دينار باللفظين معًا وقد توبع فيه عبد الله بن دينار من وجهين عن ابن عمر، أحدهما أخرجه مسلم من طريق أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع، فذكر الحديث، وفي آخره فإن غمّ عليكم فاقدروا ثلاثين. والثاني أخرجه ابن خزيمة في صحيحه من طريق عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه عن جدّه ابن عمر بلفظ فإن غمّ عليكم فكملوا ثلاثين. فهذه متابعة لكنها ناقصة، وله شاهدان أحدهما من حديث أبي هريرة رواه البخاري عن آدم عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة بلفظ فإن غمّ عليكم فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين. وثانيهما من حديث ابن عباس، أخرجه النسائي من رواية عمرو بن دينار عن محمد بن حنين عن ابن عباس بلفظ حدّثنا ابن دينار عن ابن عمر سواء. وإنما أطلت الكلام في هذا لكثرة ما في البخاري منه والله سبحانه الموفق والمعين.
والشاذ ما خالف الراوي الثقة فيه جماعة الثقات بزيادة أو نقص فيظن أنه وهم فيه. قال ابن الصلاح الصحيح التفصيل، فما خالف فيه المنفرد من هو أحفظ وأضبط فشاذ مردود، وإن لم يخالف بل روى شيئًا لم يروه غيره وهو عدل فصحيح أو غير ضابط، ولا يبعد عن درجة الضابط فحسن، وإن بعد فشاذ منكر. ويكون الشذوذ في السند كرواية الترمذي والنسائي وابن ماجة من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عوسجة عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رجلاً توفي على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يدع وارثًا إلى مولى هو أعتقه الحديث. فإن حماد