فلا فالأفضل ما صنعه لأن فعله لبيان جواز ما كان أهل الجاهلية يمنعونه فأراد الرد عليهم بالقول والفعل وهو لو كان مكروهًا لغيره لكنه في حقه أفضل والله أعلم.

وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي في الحج.

5 - باب الْعُمْرَةِ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ وَغَيْرِهَا

(باب) مشروعية (العمرة ليلة الحصبة) بفتح الحاء وسكون الصاد المهملتين الموحدة أي ليلة المبيت بالمحصب وجميع السنة وقت للعمرة إلا لحاج فيمتنع إحرامه بها قبل نفره أما قبل تحلله فلامتناع إدخالها على الحج وأما بعده فلاشتغاله بالرمي والمبيت فهو عاجز عن التشاغل بعملها. أما إحرامه بها قبل نفره فصحيح إن كان وقت الرمي بعد النفر الأول باقيًا لأنه بالنفر خرج من الحرج وصار كما لو مضى وقت الرمي نقله القاضي أبو الطيب عن نص الأمّ. وقال في المجموع لا خلاف فيه (وغيرها) بنصب الراء، ولأبي ذر وغيرها بكسرها.

1783 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُوَافِينَ لِهِلاَلِ ذِي الْحَجَّةِ، فَقَالَ لَنَا: مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، فَلَوْلاَ أَنِّي أَهْدَيْتُ لأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ. قَالَتْ: فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَأَظَلَّنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ، فَشَكَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ؛ ارْفُضِي عُمْرَتَكِ، وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ. فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِي".

وبالسند قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي الوقت حدتني (محمد بن سلام) وسقط ولأبوي ذر والوقت ابن سلام قال: (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن حازم الضرير البصري قال: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حجة الوداع لخمس بقين من ذي القعدة حال كوننا مكملين ذا القعدة (موافقين) مستقبلين (لهلال ذي الحجة) قال الجوهري: وافى فلان أتى ووفى تم والخمس قريبة من آخر الشهر فوافاهم الهلال وهم في الطريق لأنهم دخلوا في الرابع من ذي الحجة (فقال لنا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسرف بعد الإحرام كما في رواية عائشة أو بعد الطواف كما في رواية جابر، فيحتمل أنه كرر أمرهم بذلك بعد الطواف لأن العزيمة إنما كانت في الآخر حين أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة.

(من أحب منكم أن يهل بالحج) يدخله على العمرة (فليهل)، بالحج إذا كان معه هدي فيصير قارنًا ثم لا يحل منهما جميعًا حتى ينحر هديه (ومن أحب أن يهل) منكم (بعمرة)، يدخلها على الحج (فليهل بعمرة) يفسخ بها حجه إذا لم يكن معه هدي (فلولا أني أهديت لأهللت بعمرة) وفي رواية السرخسي: لأحللت بالحاء المهملة. (قالت) عائشة -رضي الله عنها-: (فمنا) أي فكان منا (من أهلّ) من الميقات (بعمرة ومنا من أهل بحج) مفرد أي ومنا من قرن (وكنت ممن أهل بعمرة).

وروى القاسم عنها أنها قالت: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا نرى إلا الحج، وفي رواية لا نذكر إلا الحج، وفي رواية لبينا بالحج، وفي رواية أخرى مهلين باحج وقد جمع ذلك مسلم في صحيحه وقد جمعوا بين ذلك بأنها أحرمت أوّلاً بالحج كما صح عنها في رواية الأكثرين وكما هو الأصح من فعله عليه الصلاة والسلام وأكثر أصحابه، ثم أحرمت بالعمرة حين أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصحابه بفسخ الحج إلى العمرة فأخبر عروة باعتمارها في آخر الأمر ولم يذكر أول أمرها.

(فأظلني) أي قرب مني (يوم عرفة) يقال: أظلني فلان وإنما تقول ذلك لأن ظله كأنه وقع عنيك لقربه منك (وأنا حائض فشكوت إلى النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ترك الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة بسبب الحيض (فقال): (ارفضي عمرتك) أي اتركي عملها من الطواف والسعي وتقصير الشعر لا أنها تدع العمرة نفسها وإنما أمرها بذلك لأنها لما حاضت تعذر عليها إتمام العمرة والتحلل منها (وانقضي رأسك) أي حلي ضفر شعره (وامتشطي) سرحيه بالمشط (وأهليّ بالحج) فصارت مدخلة للحج -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العمرة وقارنة (فلما كان ليلة الحصبة) بعد أن طهرت يوم النحر (أرسل معي عبد الرحمن) أخي (إلى التنعيم فأهللت) منه (بعمرة مكان عمرتي) بنصب مكان على الظرفية، ويجوز الجر على البدل من عمرة والمراد مكان عمرتها التي أرادت تأتي بها مفردة كما وقع لسائر أمهات المؤمنين وغيرهن من الصحابة الذي فسخوا الحج إلى العمرة وأتموا العمرة وتحللوا منها قبل يوم التروية أحرموا بالحج من مكة يوم التروية فحصلت لهم حجة منفردة وعمرة منفردة، وأما عائشة فإنها حصل لها عمرة مندرجة في حجة بالقران فأرادت عمرة منفردة كما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015