بالإسلام فاكتفى منهم بفعل ما وجب عليهم في تلك الحالة لئلا يثقل عليهم ذلك فيملوا فإذا انشرحت صدورهم للفهم عنه والحرص على ثواب المندوبات سهلت عليهم، ولا يخفى أن من داوم على ترك السنن كان نقصًا في دينه فإن تركها تهاونًا بها ورغبة عنها كان ذلك فسقًا لورود الوعيد عليه. قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من رغب عن سنتي فليس مني" قاله القرطبي.
وبه قال: (حدّثنا مسدد عن يحيى) القطان (عن أبي حيان) هو يحيى بن سعيد بن حيان المذكور في الإسناد السابق ذكره أولاً باسمه وهنا بكنيته (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو زرعة) هرم (عن النبي في بهذا) الحديث السابق عن وهيب، لكن يحيى القطان رواه عن أبي حيان مرسلاً، كما ترى لأن أبا زرعة تابعي ولم يذكر أبا هريرة فخالف وهيبًا. وفي إخراج المؤلّف له عقب حديث وهيب إشعار بأن العلة غير قادحة لأن وهيبًا حافظ فقدم روايته لأن معه زيادة فيما رواه حكاه أبو علي الجياني، وفيه إبطال للتردد الواقع في رواية الأصيلي عن أبي أحمد الجرجاني هنا حيث قال: فيما حكاه أبو علي الجياني عن يحيى بن سعيد بن حيان أو عن يحيى بن سعيد عن أبي حيان وهو خطأ إنما هو
يحيى بن سعيد بن حيان كما لغيره من الرواة، لأن هذه الرواية أفادت تصريح أبي حيان بسماعه له من أبي زرعة فزال التردد.
1398 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا الْحَىَّ مِنْ رَبِيعَةَ قَدْ حَالَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ، وَلَسْنَا نَخْلُصُ إِلَيْكَ إِلاَّ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَمُرْنَا بِشَىْءٍ نَأْخُذُهُ عَنْكَ وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا. قَالَ: آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ. الإِيمَانِ بِاللَّهِ وَشَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ -وَعَقَدَ بِيَدِهِ هَكَذَا- وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ. وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ، وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ".
وَقَالَ سُلَيْمَانُ وَأَبُو النُّعْمَانِ عَنْ حَمَّادٍ «الإِيمَانِ بِاللَّهِ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ».
وبه قال: (حدّثنا حجاج) هو ابن منهال السلمي الأنماطي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) قال: (حدّثنا أبو جمرة) بالجيم وسكون الميم وفتح الراء نصر بن عمران الضبعي (قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: قدم وفد عبد القيس) هو أبو قبيلة وكانوا أربعة عشر رجلاً ويروى أربعون وجمع بأن لهم وفادتين أو الأربعة عشر أشرافهم (على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقالوا: يا رسول الله إن هذا الحي) نصب بأن وهو اسم لمنزل القبيلة ثم سميت القبيلة به لأن بعضهم يحيا ببعض، ولأبي ذر: إنّا هذا الحي بألف بعد النون المشددة ونصب الحي على الاختصاص أي أعني هذا الحي، وعلى هذا الوجه يكون خبر إن قوله (من ربيعة) بن نزار بن معد بن عدنان وعلى الأولى خبر إن قوله (قد حالت بيننا وبينك كفار مصر) غير منصرف وهو ابن نزار بن معد بن عدنان أيضًا (ولسنا نخلص) نصل (إليك إلا في الشهر الحرام) جنس يشمل الأربعة الحرم وسميت بذلك لحرمة القتال فيها: (فأمرنا بشيء نأخذه عنك وندعو إليه من وراءنا) من قومنا أو من البلاد النائية أو الأزمنة المستقبلة (قال) عليه الصلاة والسلام:
(آمركم) بمد الهمزة (بأربع، وأنهاكم عن أربع الإيمان بالله) بالجر (وشهادة أن لا إله إلا الله -وعقد بيده هكذا-) كما يعقد الذي يعدّ واحدة والواو في قوله: وشهادة للعطف التفسيري لقوله الإيمان. وقال ابن بطال: هي مقحمة كهي في فلان حسن وجميل أي حسن جميل (وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة) بخفض أقام وإيتاء في اليونينية وهذا موضع الترجمة (وأن تؤدّوا خمُس ما غنمتم) وذكر لهم هذه لأنهم كانوا مجاورين لكفار مضر وكانوا أهل جهاد وغنائم ولم يذكر في هذه الرواية صيام رمضان كما ذكره في باب أداء الخمس من الإيمان أما لغفلة الراوي أو اختصاره وليس ذلك من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولم يذكر الحج فيهما لشهرته عندهم أو لكونه على التراخي أو غير ذلك مما سبق في باب أداء الخمس من الإيمان. (وأنهاكم عن) الانتباذ في الآنية المتخذة من (الدباء) بضم الدال وتشديد الموحدة القرع اليابس (و) عن الانتباذ في (الحنتم) بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح المثناة الفوقية
الجرار الخضر (و) في (النقير) بفتح النون وكسر القاف جذع ينقر وسطه فيوعى فيه (و) في (المزفت) المطلي بالزفت لأنها تسرع الإسكار فربما شرب منها من لا يشعر بذلك، وهذا منسوخ بما في مسلم: "كنت نهيتكم عن الانتباذ إلا في الأسقية فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكرًا".
(وقال سليمان) بن حرب مما وصله المؤلّف في المغازي (وأبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي مما وصله أيضًا في الخمس