أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- الناظم الحافظ العراقي: "كتابة الحديث وضبطه" يعني تدوين الحديث.
العرب كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أمة أمية، لا نكتب، ولا نحسب))، "أمة أمية"، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أمي، لا يقرأ، ولا يكتب، لا يقرأ المكتوب، لكن معولهم على الحفظ، وهذا هو الأصل في الرواية، كما تقدم في الطريق الأول من طرق التحمل، الذي هو السماع من لفظ الشيخ، هذا هو الأصل، ودرج على ذلك العرب في جاهليتهم، وفي أول الإسلام، وتميزوا بالحفظ، فكانوا يحفظون الكلام الطويل الذي يشتمل على غريب الألفاظ من مرة، أو مرتين، أو ثلاث بالكثير، كثير منهم يحفظ من مرة، وحفظ ابن عباس قصيدة عمر بن أبي ربيعة خمسة وسبعين بيت من مرة، والعرب كان اعتمادهم على الحفظ، وهكذا، من يعتمد على شيء يضبطه، ويتقنه، وكان الناس إلى وقت قريب معولهم على الحفظ، كثير من العامة يضبط أموره، ويتذكرها في أمور تجارته، وزراعته، وغيرهما من الأعمال دون كتابه، ولا يفوته شيء، ولا يفوتهم شيء، والذي يعتمد على الحفظ تجد حتى من العامة يحفظ الأرقام، ويحفظ الأسماء، ويحفظ ما يتعلق بأمور دنياه، لكن لما اعتمد الناس على الكتابة ضعف الحفظ، ومن أجل ذلك جاء النهي عن الكتابة في أول الأمر، كما في حديث أبي سعيد عند مسلم، وغيره، من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن، ومن كتب شيئاً غير القرآن فليمحه)) كل هذا محافظة على هذه الغريزة، غريزة الحفظ، والصفة الثابتة التي تسمى ملكة، أن يفرق بين الصفات والملكات، بأن الملكة هي الصفة الثابتة الراسخة، هذه ملكة، ملكة الحفظ، والناس متفاوتون فيها، تجد زيداً أحفظ من عمرو، والعكس أحياناً.