الآن الخلاف في العشر لأهل البصرة والعشرين لأهل الكوفة، والثلاثين لأهل الشام، وهذا طلب الحديث بنفسه بعد أن يتهيأ، التحديد هذا لا شك أنه اجتهاد، اجتهاد منهم ليس فيه نص، وما دامت المسألة اجتهادية فللإنسان أن يختار من هذه الأقوال ما يناسبه، وإذا عرفنا أن الحفظ في عهد الصغر والصبا أقوى منه في عهد الكبر والكهولة فينبغي أن يبادر بالحفظ، والقول بأن الحفظ يتأثر بتقدم السن هذا هو الذي عليه عموم من كتب في مراحل النمو من أهل العلم وغيرهم، جلهم يتفقون على أن الحفظ يتأثر، والواقع يشهد بذلك، الماوردي في أدب الدنيا والدين يقول: الحفظ ما يتأثر، الحفظ ملكة ثابتة لا تتأثر، هي موجودة عند الصغير وعند الكبير، بل قد يوجد من الكبار من يحفظ أكثر من الصغار، التأثير إنما هو للمؤثرات الخارجية وإلا فالغريزة لا تتغير، لكن هل هذا الكلام صحيح؟ نقول: الواقع يرده؟ لكن قد يوجد في بعض المراحل من الفهم ما يعين على الحفظ؛ لأن بعض الناس لا يستطيع أن يحفظ كلاماً لا يفهمه، لا يستطيع أن يحفظ ما لا يفهم، فإذا كبر وفهم سهل عليه الحفظ من هذه الحيثية، وإلا فالأصل أن الصغير ملكته في الحفظ أقوى؛ لأن الملكة تتأثر بالمؤثرات، وتتأثر بالإهمال، وتتأثر قوةً بالمتابعة؛ لأن الحفظ ملكة، كالملكة تزيد وتنقص، إذا أهمل الإنسان الحافظة نقصت، وإذا شحذها وتابع الحفظ عليها لا شك أنها تزيد، وهذا يشهد به كل واحد يزاول الحفظ، فإذا كان الأمر كذلك فنأتي إلى حفظ الأحاديث ورواية الأحاديث مع حفظ القرآن والعلوم الأخرى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015