ثم قال ابن مالك رحمه الله: [ومعرب الأسماء ما قد سلما من شبه الحرف كأرض وسما] قال المؤلف أولاً: (المعرب والمبني) وقدم المعرب لأنه الأصل، وشرع في البناء؛ لأنه أقل من المعرب في الشرح وفي الوجود، فإذا كان أقل يكون حصره أسهل.
ويجوز أن نقول: (معرب) خبر مقدم.
و (ما) في قوله (ما قد سلما) مبتدأ مؤخر.
ويجوز أن نقول: معرب: مبتدأ.
وما قد سلم: خبره؛ لأنه ينظر هل يريد أن يخبر عن المعرب ما هو؟ أو أن يخبر عما سلم من مشابهة الحرف هل هو معرب أو لا؟ إن كان الثاني فـ (معرب) خبر، وإن كان الأول فـ (معرب) مبتدأ، والمعنى لا يختلف.
قوله: (ما قد سلما) بالألف، والألف هنا ليست للتثنية بل هي للإطلاق، أي: إطلاق شطر البيت.
قوله: (من شبه الحرف كأرض وسُما) هذا مقابل قوله: (ومبني لشبه من الحروف مدني).
فإن قال قائل: لماذا قال: (معرب الأسماء ما قد سلما) وهو مفهوم من قوله: (ومبني لشبه من الحروف)؟ والجواب عن هذا من وجهين: الوجه الأول: أن كوننا نعرف أن معرب الأسماء ما قد سلم من شبه الحرف من الجملة السابقة إنما نعرفه عن طريق المفهوم، وهنا عرفناه عن طريق المنطوق، والدلالة بالمنطوق أقوى من الدلالة بالمفهوم.
الوجه الثاني: أنه إنما ذكر المعرب هنا للتوطئة والتمهيد لبيان أن المعرب ينقسم إلى صحيح ومعتل، ويظهر ذلك بالمثال: (كأرض وسما).
إذاً: يرى ابن مالك رحمه الله أن المعرب من الأسماء ما لم يشابه الحروف، ونحن نقول: المعرب من الأسماء ما يتغير آخره باختلاف العوامل، وهذا أوضح، فكل كلمة يختلف آخرها باختلاف العوامل فهي معربة.
وقوله: (كأرض وسما) أول ما تقرأ تظن أن الصواب: وسَما؛ لأن السماء تقابل دائماً بالأرض، وليس كذلك؛ لأن (أرض) آخرها حرف صحيح وهو الضاد، و (سُما) آخرها ألف وهو من حروف العلة، فكأن المؤلف بتغيير المثال يشير إلى أن الاسم المعرب منه صحيح ومنه معتل.
فالصحيح مثل: أرض، والمعتل مثل: سُما.
وسُما لغة في اسم، فتقول: اسم ولد فلان محمد، وتقول سما ولد فلان محمد.
إذاً: فـ (سما) بمعنى اسم، وهي لغة فيه.
ومن أمثلة الصحيح غير أرض: زيد، عمرو، مسجد، بكر، خالد، وغيرها.
ومن أمثلة المعتل غير سما: هدى، رضا، فتى، وغيرها.
وسيأتي إن شاء الله أن المعتل يكون معتلاً بالواو، ومعتلاً بالألف، ومعتلاً بالياء، بكلام أوضح من هذا.