وقد كان هذا العلم علماً مستقلاً، وكما نعلم أن الشيء أول ما يخرج يكون ضعيفاً، ثم انتشر بين العلماء وصار له أئمة ومشايخ وأتباع، وصار فيه مناظرات ومجادلات كثيرة، وانقسم العلماء فيه إلى قسمين: علماء الكوفة وزعيمهم الكسائي، وعلماء البصرة وزعيمهم سيبويه، ولكل منهم نظرات في علم النحو، وغالب ما يذهب إليه البصريون التقعيد والحفاظ على القواعد، وأما الكوفيون فهم يتساهلون في هذا الباب، وأنا إلى رأيهم أميل مني إلى رأي البصريين.
فأقول: القاعدة عندي: إذا اختلف الكوفيون والبصريون في مسألة فاتبع الأسهل فإنه أسهل، أي: ليس فيه تعقيد؛ لأن هذا ليس أمراً شرعياً يثبت بالأدلة الشرعية حتى ننظر ونتعب، فمادام هذا جائزاً عند جماعة من العلماء فلنتبعه، وتتبع الرخص في هذا الباب جائز ولا حرج فيه؛ لأن تتبع الرخص في هذا الباب أسهل، وسيمر بنا إن شاء الله تعالى مسائل كثيرة نجد أن البصريين فيها متشددون وأن الكوفيين متساهلون.
وإذا رأيتم أن نقرأ المقدمة -لأن فيها فائدة- فهو حسن.